إلى قرواش ، فتجدّد للقادر بالله فيه سوء ظنّ بسبب ما أثاره من الفتنة العظيمة بالكوفة ، حتى ذهبت فيها عدّة نفوس وأموال ، ففرّ إلى أبي نصر بن مروان فأكره وأقطعه ضياعا وأقام عنده ، فكوتب من بغداد بالعود إليها ، فبرز عن ميافارقين يريد المسير إلى بغداد ، فسمّ هناك وعاد إلى المدينة فمات بها ، لأيام خلت من شهر رمضان سنة ثمان عشرة وأربعمائة ، ومولده بمصر ليلة الثالث عشر من ذي الحجة سنة سبعين وثلاثمائة.
وكان أسمر شديد السمرة ، بساطا عالما بليغا مترسلا متفننا في كثير من العلوم الدينية والأدبية والنحوية ، مشارا إليه في قوّة الذكاء والفطنة وسرعة الخاطر والبديهة ، عظيم القدر صاحب سياسة وتدبير وحيل كثيرة وأمور عظام ، دوّخ الممالك وقلّب الدول ، وسمع الحديث وروى وصنف عدّة تصانيف ، وكان ملولا حقودا لا تلين كبده ولا تنحلّ عقده. ولا يحني عوده ولا ترجى وعوده ، وله رأي يزين له العقوق ويبغض إليه رعاية الحقوق ، كأنه من كبره قد ركب الفلك واستولى على ذات الحبك ، وكان بمصر من بني المغربيّ أبو الفرج محمد بن جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين المغربيّ ، قد قتل الحاكم جدّه محمدا مع أبيه عليّ بن الحسين كما تقدّم ، فلما نشأ أبو جعفر سار إلى العراق وخدم هناك وتنقلت به الأحوال ، ثم عاد إلى مصر واصطنعه الوزير البارزيّ وولاه ديوان الجيش ، وكانت السيدة أم المستنصر بالله تعني به ، فلما مات الوزير البارزيّ وولي بعده الوزير أبو الفرج عبد الله بن محمد البابليّ ، قبض عليه في جملة أصحاب البارزيّ واعتقله ، فتقرّرت له الوزارة وهو في الاعتقال ، وخلع عليه في الخامس والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة خمسين وأربعمائة ، ولقب بالوزير الأجل الكامل الأوحد ، صفيّ أمير المؤمنين وخالصته ، فما تعرّض لأحد ولا فعل في البابليّ ما فعله البابليّ فيه وفي أصحاب البارزيّ ، فأقام سنتين وشهورا وصرف في تاسع شهر رمضان سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة ، وكان الوزراء إذا صرفوا لم يتصرّفوا ، فاقترح أبو الفرج بن المغربيّ لما صرف أن يتولى بعض الدواوين ، فولي ديوان الإنشاء الذي يعرف اليوم بوظيفة كتابة السرّ ، وهو الذي استنبط هذه الوظيفة بديار مصر واستحدث استخدام الوزراء بعد صرفهم عن الوزارة ، ولم يزل نابه القدر إلى أن توفي سنة ثمان وسبعين وأربعمائة.
بركة الشعيبية : هذه البركة موضعها خلف جسر الأفرم ، فيما بينه وبين الجرف الذي يعرف اليوم بالرصد ، وكانت تجاور بركة الحبش من بحريها ، وقد انقطع عنها الماء وصارت بساتين ومزارع وغير ذلك. قال ابن المتوّج : بركة الشعيبية بظاهر مصر ، كان يدخل إليها ماء النيل ، وكان لها خليجان أحدهما من قبليها وهو الآن بجوار منظرة الصاحب تاج الدين بن حنا ، المعروفة بمنظرة المعشوق ، والثاني من بحريها ، ويقال له خليج بني وائل ، عليه قنطرة بها عرف باب القنطرة بمصر ، وكان يجري فيهما الماء من النيل إليها ، فكان الماء يدخل إليها في كل سنة ويعمها ويدخل إليها الشخاتير ، وكان بدائرها من جانبها الشرقيّ أدر كثيرة ،