وله ديوان شعر ، ولم يزل بمصر حتى ملك السلطان الملك العادل أبو بكر بن أيوب ، ووزر له صفيّ الدين عليّ بن عبد الله بن شكر ، فخافه الأسعد لما كان يصدر منه في حقه من الإهانة ، وشرع الوزير ابن شكر في العمل عليه ، ورتب له مؤامرات ونكبه وأحال عليه الأجناد ، ففرّ من القاهرة وسقط في حلب ، فخدم بها حتى مات في يوم الأحد سلخ جمادى الأولى سنة ست وستمائة ، عن اثنتين وستين سنة.
وكان سبب تلقيب أبي مليح بمماتي ، أنه كان عنده في غلاء مصر في أيام المستنصر قمح كثير ، وكان يتصدّق على صغار المسلمين وهو إذ ذاك نصرانيّ ، وكان الصغار إذا رأوه قالوا مماتي فلقب بها ومن شعره :
تعاتبني وتنهي عن أمور |
|
سبيل الناس أن ينهوك عنها |
أتقدر أن تكون كمثل عيني |
|
وحقك ما عليّ أضرّ منها |
وقال في اترجة كانت بين يدي القاضي الفاضل وهو معنى بديع :
لله بل للحسن أترجة (١) |
|
تذكر الناس بأمر النعيم |
كأنها قد جمعت نفسها |
|
من هيبة الفاضل عبد الرحيم |
بركة شطا : هذه البركة موضعها الآن كيمان ، على يسرة من يخرج من باب القنطرة بمدينة مصر طالبا جسر الأفرم ورباط الآثار ، كان الماء يعبر إليها من خليج بني وائل ، وموضعه على يمنة من يخرج من باب القنطرة المذكورة ، وكان عليه قنطرة بناها العزيز بالله بن المعز ، وبها سمي باب القنطرة هذا.
قال ابن المتوج : بركة شطا بظاهر مصر على يسرة من مرّ من باب القنطرة ، وكان الماء يدخل إليها من خليج بني وائل من برابخ بالسور المستجدّ ، ومن بركة الشعيبية من قنطرة في وسط الجسر المعروف بجسر الحيات ، الذي كان يفصل بين البركتين المذكورتين ، وكان بوسطها مسجد يعرف بمسجد الجلالة ، بقناطر بوسطها ، كان يسلك عليها إليه ، وكان يطلّ على بركة شطا آدر خربت بانقطاع الماء عنها ، وكان إلى جانبها بستان فيه منظرة ودرابة وطاحون وحمّام ، وبظاهر بابه حوض سبيل ، وقف ذلك المخلص الموقع وقد خرب.
بركة قارون : هذه البركة موضعها الآن فيما بين حدرة ابن قميحة خلف جامع ابن طولون ، وبين الجسر الأعظم الفاصل بين هذه البركة وبركة الفيل ، وعليها الآن عدّة آدر ، وتعرف ببركة قراجا ، وكان عليها عدّة عمائر جليلة في قديم الزمان عند ما عمّر العسكر والقطائع ، فلما خرب العسكر والقطائع كما ذكر في موضعه من هذا الكتاب ، خرب ما كان
__________________
(١) أترجة : التّرنج : شجر من الحمضيات كبير الثمر ، ذهبي اللون ، ذكي الرائحة ، عصيره حامض.