موردة البلاط ، فلما امتلأتا بالماء صارت مساحتها سبعة أفدنة ، فحكر الناس ما حولها وبنوا عليها الدور العظيمة ، وما برح خط البركة الناصرية عامرا إلى أن كانت الحوادث من سنة ست وثمانمائة ، فشرع الناس في هدم ما عليها من الدور ، فهدم كثيرا مما كان هناك ، والهدم مستمرّ إلى يومنا هذا.
ذكر الجسور
الجسر بفتح الجيم ، الذي تسميه العامّة جسرا ، عن ابن دريد ، وقال الخليل : الجسر والجسر لغتان ، وهو القنطرة ونحوها مما يعبر عليه. وقال ابن سيده : والجسر الذي يعبر عليه ، والجمع القليل أجسر. قال :
إنّ فراخا كفراخ الأوكر |
|
بأرض بغداد وراء الأجسر |
والكثير جسور.
جسر الأفرم : هذا الجسر بظاهر مدينة مصر ، فيما بين المدرسة المعزية برحبة الحناء قبليّ مصر ، وبين رباط الآثار النبوية ، كان موضعه في أوّل الإسلام غامرا بماء النيل ، ثم انحسر عنه الماء فصار فضاء إلى بحريّ خليج بني وائل ، ثم ابتنى الناس فيه مواضع ، وكان هناك الهري قريبا من الخليج ، ثم صار موضع جسر الأفرم هذا ترعة يدخل منها ماء النيل إلى البركة الشعيبية ، فلما استأجر الأمير عز الدين أيبك الأفرم بركة الشعيبية وجعلها بستانا ، كما تقدّم ذكره في البرك ، ردم هذه الترعة وبنى حيطان البستان وجسر عليه ، فأقام على ذلك سنين ، ثم لما استأجر أرض البركة بعد ما غرسها بالأشجار إجارة ثانية ، اشترط البناء على ثلاثة أفدنة في جانب البستان الغربيّ ، وفدّان في جانبه البحريّ ، ونادى في الناس بتحكيره ، وأرخص سعر الحكر ، وجعل حكر كلّ مائة ذراع عشرة دراهم ، فهرع الناس إليه واحتكروا منه المواضع ، وبنوا فيها الدور المطلة على النيل ، فاستغنى بالعمائر عن عمر الجسر في كلّ سنة بين البحر والبستان الذي أنشأه ، وبقى اسم الجسر عليه إلى يومنا هذا ، إلا أن الآدر التي كانت هناك خربت منذ انطرد النيل عن البرّ الغربيّ ، بعد ما بلغ ذلك الخط الغاية في العمارة ، وكان سكن الوزراء والأعيان من الكتاب وغيرهم.
الجسر الأعظم : هذا الجسر في زماننا هذا قد صار شارعا مسلوكا يمشى فيه من الكبش إلى قناطر السباع ، وأصله جسر يفصل بين بركة قارون وبركة الفيل ، وبينهما سرب يدخل منه الماء ، وعليه أحجار يراها من يمرّ هناك ، وبلغني أنه كان من قنطرة مرتفعة ، فلما أنشأ الملك الناصر محمد بن قلاون الميدان السلطانيّ عند موردة البلاط ، أمر بهدم القنطرة فهدمت ، ولم يكن إذ ذاك على بركة الفيل من جهة الجسر الأعظم مبان ، وإنما كانت ظاهرة يراها المارّ ، ثم أمر السلطان بعمل حائط قصير بطولها ، فأقيم الحائط وصفر بالطين الأصفر ،