ثم حدثت الدور هناك.
الجسر بأرض الطبالة : هذا الجسر يفصل بين بركة الرطليّ وبين الخليج الناصريّ ، أقامه الأمير الوزير سيف الدين بكتمر الحاجب في سنة خمس وعشرين وسبعمائة ، لما انتهى حفر الخليج الناصريّ ، وأذن للناس في البناء عليه ، فحكر وبنيت فوقه الدور ، فصارت تشرف على بركة الرطليّ وعلى الخليج ، وتجتمع العامّة تحت مناظر الجسر وتمرّ بحافة الخليج للنزهة ، فكثر اغتياظ غوغاء الناس وفساقهم بهذا الجسر إلى اليوم ، وهو من أنزه فرج القاهرة لولا ما عرف به من القاذورات الفاحشة.
الجسر من بولاق إلى منية الشيرج : كان السبب في عمل هذا الجسر أن ماء النيل قويت زيادته في سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة ، حتى أخرق من ناحية بستان الخشاب ، ودخل الماء إلى جهة بولاق ، وفاض إلى باب اللوق حتى اتصل بباب البحر وبساتين الخور ، فهدمت عدّة دور كانت مطلة على البحر ، وكثير من بيوت الحكورة ، وامتدّ الماء إلى ناحية منية الشيرج ، فقام الفخر ناظر الجيش بهذا الأمر ، وعرّف السلطان الملك الناصر محمد بن قلاون أن متى غفل دخل الماء إلى القاهرة وغرق أهلها ومساكنها ، فركب السلطان إلى البحر ومعه الأمراء ، فرأى ما هاله ، وفكر فيما يدفع ضرر النيل عن القاهرة ، فاقتضى رأيه عمل جسر عند نزول الماء ، وانصرف ، فقويت الزيادة وفاض الماء على منشأة المهرانيّ ومنشأة الكتبة ، وغرّق بساتين بولاق والجزيرة حتى صار ما بين ذلك ملقة واحدة ، وركب الناس المراكب للفرجة ، ومرّوا بها تحت الأشجار وصاروا يتناولون الثمار بأيديهم وهم في المراكب ، فتقدّم السلطان المتولى القاهرة ومتولى مصر يبث الأعوان في القاهرة ومصر لردّ الحمير والجمال التي تنقل التراب إلى الكيمان ، وألزمهم بإلقاء التراب بناحية بولاق ، ونودي في القاهرة ومصر ، من كان عنده تراب فليرمه بناحية بولاق وفي الأماكن التي قد علا عليها الماء ، فاهتمّ الناس من جهة زيادة الماء اهتماما كبيرا خوفا أن يخرق الماء ويدخل إلى القاهرة ، وألزم أرباب الأملاك التي ببولاق والخور والمناشئ أن يقف كلّ واحد على إصلاح مكانه ، ويحترس من عبور الماء على غفلة ، فتطلب كلّ أحد من الناس الفعلة من غوغاء الناس لنقل التراب ، حتى عدمت الحرافيش ، ولم تكن توجد لكثرة ما أخذهم الناس لنقل التراب ورميه ، وتضرّرت الآدر القريبة من البحر بنززها ، وغرقت الأقصاب والقلقاس والنيلة وسائر الدواليب التي بأعمال مصر ، فلما انقضت أيام الزيادة ثبت الماء ولم ينزل في أيام نزوله ، ففسدت مطامير الغلات ومخازنها وشونها ، وتحسن سعر السكّر والعسل ، وتأخر الزرع عن أوانه لكثرة ما مكث الماء ، فكتب لولاة الأعمال بكسر الترع والجسور كي ينصرف الماء عن أراضي الزرع إلى البحر الملح ، واحتاج الناس إلى وضع الخراج عن بساتين بولاق والجزيرة ، ومسامحتهم بنظير ما فسد من الغرق ، وفسدت عدّة بساتين إلى أن أذن الله تعالى بنزول الماء ، فسقط كثير من الدور ، وأخذ السلطان في عمل الجسور ، واستدعى المهندسين