لبلاد العلو ، واستبحر منه عدّة بلاد وطيئة ، والعمل على هذا الجسر إلى يومنا هذا. والله أعلم.
جسرا مصر والجيزة : اعلم أن الماء في القديم كان محيطا بجزيرة مصر التي تعرف اليوم بالروضة طول السنة ، وكان فيما بين ساحل مصر وبين الروضة جسر من خشب ، وكذلك فيما بين الروضة وبرّ الجيزة جسر من خشب يمرّ عليهما الناس والدواب ، من مصر إلى الروضة ، ومن الروضة إلى الجيزة ، وكان هذان الجسران من مراكب مصطفة بعضها بحذاء بعض وهي موثقة ، ومن فوق المراكب أخشاب ممتدّة فوقها تراب ، وكان عرض الجسر ثلاث قصبات.
قال القضاعيّ : وأما الجسر فقال بعضهم رأيت في كتاب ، ذكر أنه خط أبي عبد الله بن فضالة ، صفة الجسر وتعطيلة وإزالته ، وأنه لم يزل قائما إلى أن قدم المأمون مصر ، وكان غريبا ، ثم أحدث المأمون هذا الجسر الموجود اليوم الذي تمرّ عليه المارّة وترجع من الجسر القديم ، فبعد أن خرج المأمون عن البلد أتت ريح عاصفة فقطعت الجسر الغربيّ ، فصدمت سفنه الجسر المحدث ، فذهبا جميعا ، فبطل الجسر القديم وأثبت الجديد ، ومعالم الجسر القديم معروفة إلى هذه الغاية.
وقال ابن زولاق في كتاب إتمام أمراء مصر : ولعشر خلون من شعبان سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة سارت العساكر لقتال القائد جوهر ، ونزلوا الجزيرة بالرجال والسلاح والعدّة ، وضبطوا الجسرين ، وذكر ما كان منهم إلى أن قال في عبور جوهر : أقبلت العساكر فعبرت الجسر أفواجا أفواجا ، وأقبل جوهر في فرسانه إلى المناخ موضع القاهرة. وقال في كتاب سيرة المعز لدين الله : وفي مستهلّ رجب سنة أربع وستين وثلاثمائة صلح جسر الفسطاط ، ومنع الناس من ركوبه ، وكان قد أقام سنين معطلا. وقال ابن سعيد في كتاب المغرب : وذكر ابن حوقل الجسر الذي يكون ممتدّا من الفسطاط إلى الجزيرة ، وهو غير طويل ، ومن الجانب الآخر إلى البرّ الغربيّ ، المعروف ببرّ الجيزة ، جسر آخر من الجزيرة إليه ، وأكثر جواز الناس بأنفسهم ودوابهم في المراكب ، لأنّ هذين الجسرين قد احترما بحصولهما في حيز قلعة السلطان ، ولا يجوز أحد على الجسر الذي بين الفسطاط والجزيرة راكبا احتراما لموضع السلطان ، يعني الملك الصالح نجم الدين أيوب ، وكان رأس هذا الجسر الذي ذكره ابن سعيد حيث المدرسة الخرّوبية ، من إنشاء البدر أحمد بن محمد الخرّوبيّ التاجر ، على ساحل مصر قبليّ خط دار النحاس ، وما برح هذا الجسر إلى أن خرّب الملك المعز ايبك التركمانيّ قلعة الروضة ، بعد سنة ثمان وأربعين وستمائة ، فأهمل. ثم عمره الملك الظاهر ركن الدين بيبرس على المراكب ، وعمله من ساحل مصر إلى الروضة ، ومن الروضة إلى الجيزة ، لأجل عبور العسكر عليه لما بلغه حركة الفرنج ، فعمل ذلك.