واجتمعوا على العادة للفرجة من كل صوب ، وما أحسن قول شهاب الدين بن العطار في تهتك الناس يوم تخليق المقياس :
تهتك الخلق بالتخليق قلت لهم |
|
ما أحسن الستر قالوا العفو مأمول |
ستر الإله علينا لا يزال فما |
|
أحلى تهتكنا والستر مسبول |
جزيرة الصابوني : هذه الجزيرة تجاه رباط الآثار ، والرباط من جملتها ، وقفها أبو الملوك نجم الدين أيوب بن شادي وقطعة من بركة الحبش ، فجعل نصف ذلك على الشيخ الصابوني وأولاده ، والنصف الآخر على صوفية بمكان بجوار قبة الإمام الشافعيّ رضي الله تعالى عنه ، يعرف اليوم بالصابوني.
جزيرة الفيل : هذه الجزيرة هي الآن بلد كبير خارج باب البحر من القاهرة ، وتتصل بمنية الشيرج من بحريها ، ويمرّ النيل من غربيها ، وبها جامع تقام به الجمعة ، وسوق كبير وعدّة بساتين جليلة ، وموضعها كله مما كان غامرا بالماء في الدولة الفاطمية. فلما كان بعد ذلك انكسر مركب كبير كان يعرف بالفيل ، وترك في مكانه فربا عليه الرمل ، وانطرد عنه الماء ، فصارت جزيرة فيما بين المنية وأرض الطبالة سماها الناس جزيرة الفيل ، وصار الماء يمرّ من جوانبها ، فغربيها تجاه برّ مصر الغربيّ ، وشرقيها تجاه البعل ، والماء في بينها وبين البعل الذي هو الآن قبالة قناطر الأوز ، فإنّ الماء كان يمرّ بالمقس من تحت زريبة جامع المقس الموجود الآن على الخليج الناصريّ ، ومن جامع المقس على أرض الطبالة إلى غربيّ المصلى ، حتى ينتهي من تجاه التاج إلى المنية ، وصارت هذه الجزيرة في وسط النيل ، وما برحت تتسع إلى أن زرعت في أيام الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب ، فوقفها على المدرسة التي أنشأها بالقرافة بجوار قبر الشافعيّ رضياللهعنه ، وكثرت أطيانها بانحسار النيل عنها في كل سنة.
فلما كان في أيام الملك المنصور قلاون الألفي تقرّب مجد الدين أبو الروح عيسى بن عمر بن خالد بن عبد المحسن بن الخشاب المتحدّث في الأحباس ، إلى الأمير علم الدين سنجر الشجاعيّ ، بأنّ في أطياب هذه الجزيرة زيادة على ما وقفه السلطان صلاح الدين ، فأمر بقياس ما تجدّد بها من الرمال وجعلها لجهة الوقف الصلاحيّ ، وأقطع الأطياب القديمة التي كانت في الوقف وجعلها هي التي زادت ، فلما أمر الملك المنصور قلاون بعمل المارستان المنصوري وقف بقية الجزيرة عليه ، فغرس الناس بها الغروس وصارت بساتين وسكن الناس من المزارعين هناك ، فلما كانت أيام الملك الناصر محمد بن قلاون بعد عوده إلى قلعة الجبل من الكركل ، وانحسر النيل عن جانب المقس الغربيّ وصار ما هنالك رمالا متصلة من بحريها بجزيرة الفيل المذكورة ، ومن قبليها بأراضي اللوق ، افتتح الناس باب العمارة بالقاهرة ومصر فعمروا في تلك الرمال المواضع التي تعرف اليوم ببولاق خارج