أن أجعله من جملة من يضرب بالسوط ، وأن يعفى من القتل ، فلم ألتفت إليها وأمرت بضرب عنقه ، فقالت أمّه : إن كنت لا بدّ قاتله فاجعله آخر من يقتل لأتمتع به ساعة ، فأمرت به فجعل أوّل من ضرب عنقه ، فلطخت بدمه وجمهها وسبقتني وهي منبوشة الشعر ذاهلة العقل إلى القصر ، فلما وافيت قالت لي أقتلته؟ كذلك. يقتلك الله ، فأمرت بها فضربت حتى سقطت إلى الأرض ، ثم كان من الأمر ما ترون مما أنا صائر إليه ، وكان خبره عبرة لمن اعتبر ، وفي نصف شعبان سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة ركب الحاكم بأمر الله إلى صناعة المقس لتطرح المراكب بين يديه.
صناعة الجزيرة : هذه الصناعة كانت بجزيرة مصر التي تعرف اليوم بالروضة ، وهي أوّل صناعة عملت بفسطاط مصر ، بنيت في سنة أربع وخمسين من الهجرة ، وكان قبل بنائها هناك خمسمائة فاعل تكون مقيمة أبدا معدّة لحريق يكون في البلاد أو هدم ، ثم اعتنى الأمير أبو العباس أحمد بن طولون بإنشاء المراكب الحربية في هذه الصناعة وأطافها بالجزيرة ، ولم تزل هذه الصناعة إلى أيام الملك الأمير أبي بكر محمد بن طفج الإخشيد ، فأنشأ صناعة بساحل فسطاط مصر ، وجعل موضع هذه الصناعة البستان المختار كما قد ذكر في موضعه من هذا الكتاب ،
صناعة مصر : هذه الصناعة كانت بساحل مصر القديم ، يعرف موضعها بدار خديجة بنت الفتح بن خاقان ، امرأة الأمير أحمد بن طولون ، إلى أن قدم الأمير أبو بكر محمد بن طفج الإخشيد أميرا على مصر من قبل الخليفة الراضي ، عوضا عن أحمد بن كيغلغ في سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة ، وقد كثرت الفتن ، فلم يدخل عيسى بن أحمد السلميّ أبو مالك كبير المغاربة في طاعته ، ومضى ومعه بحكم وعليّ بن بدر ونظيف النوشريّ وعليّ المغربيّ إلى الفيوم ، فبعث إليهم الإخشيد صاعدين الكلكم بمراكبه ، فقاتلوه وقتلوه وأخذوا مراكبه ، وركب فيها عليّ بن بدر وبحكم وقدموا مدينة مصر أوّل يوم من ذي القعدة ، فأرسوا بجزيرة الصناعة ، وركب الإخشيد في جيشه ووقف حيالهم ، والنيل بينهم وبينه ، فكره ذلك وقال : صناعة يحول بينها وبين صاحبها الماء ليست بشيء ، فأقام بحكم وعليّ بن بدر إلى آخر النهار ومضوا إلى جهة الإسكندرية وعاد الإخشيد إلى داره فأخذ في تحويل الصناعة من موضعها بالجزيرة إلى دار خديجة بنت الفتح ، في شعبان سة خمس وعشرين وثلاثمائة وكان إذ ذاك عندها سلّم ينزل منه إلى الماء ، وعند ما ابتدأ في إنشاء المراكب بها صاحت به امرأة فأمر بأخذها إليه ، فسألته أن يبعث معها من يحمل المال ، فسيّر معها طائفة ، فأتت بهم إلى دار خديجة هذه ودلتهم على موضع منها فأخرجوا منه عينا وورقا وحليا وغيره ، وطلبت المرأة فلم توجد ولا عرف لها خبر ، وكانت مراكب الأسطول مع ذلك تنشأ في الجزيرة وفي صناعتها إلى أيام الخليفة الآمر بأحكام الله تعالى ، فلما ولي المأمون بن البطائحيّ أنكر ذلك وأمر أن يكون إنشاء الشواني والمراكب النيلية الديوانية بصناعة مصر هذه ، وأضاف إليها دار