الميدان الظاهريّ : هذا الميدان كان بطرف أراضي اللوق يشرف على النيل الأعظم ، وموضعه الآن تجاه قنطرة قدادار من جهة باب اللوق ، أنشأه الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البندقداريّ الصالحيّ ، لما انحسر ماء النيل وبعد عن ميدان أستاذه الملك الصالح نجم الدين أيوب ، وما زال يلعب فيه بالكرة هو ومن بعده من ملوك مصر ، إلى أن كانت سنة أربع عشرة وسبعمائة ، فنزل السلطان الملك الناصر محمد بن قلاون إليه وخرّب مناظره وعمله بستانا من أجل بعد البحر عنه ، وأرسل إلى دمشق فحمل إليه منها سائر أصناف الشجر ، وأحضر معها خولة الشام والمطعمين ، فغرسوها فيه وطعموها ، وما زال بستانا عظيما ، ومنه تعلم الناس بمصر تطعيم الأشجار في بساتين جزيرة الفيل ، وجعل السلطان فواكه هذا البستان مع فواكه البستان الذي أنشأه بسرياقوس تحمل بأسرها إلى الشراب خاناه السلطانية بقلعة الجبل ، ولا يباع منا شيء البتة ، وتصرف كلفهما من الأموال الديوانية ، فجادت فواكه هذين البستانين وكثرت حتى حاكت بحسنها فواكه الشام لشدجة العناية والخدمة بهما ، ثم إنّ السلطان لما اختص بالأمير قوصون أنعم بهذا البستان عليه ، فعمر تجاهه الزريبة التي عرفت بزريبة قوصون على النيل ، وبنى الناس الدور الكثيرة هناك سميا لما حفر الخليج الناصري ، فإن العمارة عظمت فيما بين هذا البستان والبحر وفيما بينه وبين القاهرة ومصر ، ثم إنّ هذا البستان خرب لتلاشي أحواله بعد قوصون ، وحكرت أرضه وبنى الناس فوقها الدور التي على يسرة من صعد القنطرة من جهة باب اللوق يريد الزريبة ، ثم لما خرب خط الزريبة خرب ما عمر بأرض هذا البستان من الدور ، منذ سنة ست وثمانمائة والله تعالى أعلم.
ميدان بركة الفيل : هذا الميدان كان مشرفا على بركة الفيل قبالة الكبش ، وكان أوّلا اصطبل الجوق برسم خيول المماليك السلطانية ، إلى أن جلس الأمير زين الدين كتبغا على تخت الملك وتلقب بالملك العادل ، بعد خلعه الملك الناصر محمد بن قلاون في المحرّم سنة أربع وتسعين وستمائة ، فلما دخلت سنة خمس وتسعين كان الناس في أشدّ ما يكون من غلاء الأسعار وكثرة الموتان ، والسلطان خائف على نفسه ومتحرّز من وقوع فتنة ، وهو مع ذلك ينزل من قلعة الجبل إلى الميدان الظاهريّ بطرف اللوق ، فحسن بخاطره أن يعمل إصطبل الجوق المذكور ميدانا عوضا عن ميدان اللوق ، وذكر ذلك للأمراء فأعجبهم ذلك ، فأمر بإخراج الخيل منه وشرعه في عمله ميدانا ، وبادر الناس من حينئذ إلى بناء الدور بجانبه ، وكان أوّل من أنشأ هناك الأمير علم الدين سنجر الخازن في الموضع الذي عرف اليوم بحكر الخازن ، وتلاه الناس في العمارة والأمراء ، وصار السلطان ينزل إلى هذا الميدان من القلعة فلا يجد في طريقه أحدا من الناس سوى أصحاب الدكاكين من الباعة لقلة الناس وشغلهم بما هم فيه من الغلاء والوباء ، ولقد رآه شخص من الناس وقد نزل إلى الميدان والطرقات خالية فأنشد ما قيل في الطبيب ابن زهر :