الملابس الفاخرة والسروح المحلاة والعدد الملحية.
وكان من رسوم السلطان في خروجه إلى سرياقوس وغيرها من الأسفار أن لا يتكلف إظهار كلّ شعار السلطنة ، بل يكون الشعار في موكبه السائر فيه جمهور مماليكه مع المقدّم عليهم واستاداره ، وأمامهم الخزائن والجنائب والهجن ، وأما هو نفسه فإنه يركب ومعه عدّة كبيرة من الأمراء الكبار والصغار من الغرباء والخواص ، وجملة من خواص مماليكه ، ولا يركب في السير برقبة ولا بعصائب ، بل يتبعه جنائب خلفه ، ويقصد في الغالب تأخير النزول إلى الليل ، فإذا جاء الليل حملت قدّامة فوانيس كثيرة ومشاعل ، فإذا قارب مخيمه تلقى بشموع موكبية في سمعدانات كفت ، وصاحت الجاويشية بين يديه ، ونزل الناس كافة إلّا حملة السلاح ، فإنهم وراءه ، والوشاقية أيضا وراءه ، وتمشي الطبر دارية حوله حتى إذا وصل القصور بسرياقوس أو الدهليز من المخيم نزل عن فرسه ودخل إلى الشقة ، وهي خيمة مستديرة متسعة ، ثم منها إلى شقة مختصرة ، ثم منها إلى اللاجوق ، وبدائر كلّ خيمة من جميع جوانبها من داخل سور خركاه ، وفي صدر اللاجوق قصر صغير من خشب برسم المبيت فيه ، وينصب بإزاء الشقة الحمّام بقدور الرصاص ، والحوض على هيئة الحمام المبنيّ في المدن ، إلّا أنه مختصر. فإذا نام السلطان طافت به المماليك دائرة بعد دائرة ، وطاف بالجميع الحرس ، وتدور الزفة حول الدخليز في كلّ ليلة ، وتدور بسرياقوس حول القصر في كلّ ليلة مرّتين ، الأولى منذ يأوي إلى النوم ، والثانية عند قعوده من النوم ، وكلّ زفة يدور بها أمير جاندار ، وهو من أكابر الأمراء ، وحوله الفوانيس والمشاعل والطبول والبياتة ، وينام على باب الدهليز النقباء وأرباب النوب من الخدم ، ويصحب السلطان في السفر غالب ما تدعو الحاجة إليه حتى يكاد يكون معهم مارستان لكثرة من معه من الأطباء وأرباب الكحل والجراح والأشربة والعقاقير ، وما يجري مجرى ذلك ، وكل من عاده طبيب ووصف له ما يناسبه ، يصرف له من الشراب خاناه أو الدواء خاناه المحمولين في الصحبة. والله أعلم.
الميدان الناصريّ : هذا الميدان من جملة أراضي بستان الخشاب ، فيما بين مدينة مصر والقاهرة ، وكان موضعه قديما غامرا بماء النيل ، ثم عرف ببستان الخشاب ، فلما كانت سنة أربع عشرة وسبعمائة هدم السلطان الملك الناصر محمد بن قلاون الميدان الظاهريّ ، وغرس فيه أشجارا كما تقدّم ، وأنشأ هذا الميدان من أراضي بستان الخشاب ، فإنه كان حينئذ مطلا على النيل ، وتجهز في سنة ثمان عشرة وسبعمائة للركوب إليه ، وفرّق الخيول على جميع الأمراء واستجدّ ركوب الأوجاقية بكوا في الزركس على صفة الطاسات فوق رؤوسهم ، وسمّاهم الجفتاوات ، فيركب منهم اثنان بثوبي حرير أطلس أصفر ، وعلى رأس كلّ منهما كوفية الذهب ، وتحت كل واحد فرس أبيض بحلية ذهب ، ويسيران معا بين يدي السلطان في ركوبه من قلعة الجبل ، إلى الميدان ، وفي عودته منه إلى القلعة ، وكان السلطان إذا ركب