الأشرفية : هذا القصر المعروف بالأشرفية أنشأ الملك الأشرف خليل بن قلاون في سنة اثنتين وتسعين وستمائة ، ولما فرغ صنع به مهما عظيما لم يعمل مثله في الدولة التركية ، وختن أخاه الملك الناصر محمد بن قلاون ، وابن أخيه الأمير موسى بن الصالح عليّ بن قلاون ، وجمع سائر أرباب الملاهي ، وجميع الأمراء ، ووقف الخزاندارية بأكياس الذهب ، فلما قام الأمراء من الخاصكية للرقص ، نثر الخزاندارية على كلّ من قام للرقص حتى فرغ الختان ، فأنعم على كلّ أمير من الأمراء بفرس كامل القماش ، وألبس خلعة عظيمة ، وأنعم على عدّة منهم كلّ واحد بألف دينار وفرس ، وأنعم على ثلاثين من الأمراء الخاصكية لكل واحد مبلغ خمسة آلاف دينار ، وأنعم على البليبل المغني بألف دينار ، وكان الذي عمل في هذا المهم من الغنم ثلاثة آلاف رأس ، ومن البقر ستمائة رأس ، ومن الخيل خمسمائة أكديس ، ومن السكر برسم المشروب ألف قنطار وثمانمائة قنطار ، وبرسم الحلوى مائة وستون قنطارا ، وبلغت النفقة على هذا المهمّ في عمل السماط والمشروب والأقبية والطراز والسروج وثياب النساء مبلغ ثلاثمائة ألف دينار عينا.
البيسرية : ومن جملة دور القلعة قاعة البيسرية ، أنشأها السلطان الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاون ، وكان ابتداء بنائها في أوّل يوم من شعبان سنة إحدى وستين وسبعمائة ، ونهاية عمارتها في ثامن عشري ذي الحجة من السنة المذكورة ، فجاءت من الحسن في غاية لم ير مثلها ، وعمل لهذه القاعة من الفرش والبسط ما لا تدخل قيمته تحت حصر ، فمن ذلك تسعة وأربعون ثريا برسم وقود القناديل ، جملة ما دخل فيها من الفضة البيضاء الخالصة المضروبة مائتا ألف وعشرون ألف درهم ، وكلها مطلية بالطهب ، وجاء ارتفاع بناء هذه القاعة طولا في السماء ثمانية وثمانين ذراعا ، وعمل السلطان بها برجا يبيت فيه ، من العاج والأبنوس ، مطعّم يجلس بين يديه ، وأكناف وباب يدخل منه إلى أرض كذلك ، وفيه مقرنص قطعة واحدة يكاد يذهل الناظر إليه ، بشبابيك ذهب خالص ، وطرازات ذهب مصوغ ، وشرافات ذهب مصوغ ، وقبة مصوغة من ذهب صرف ، فيه ثمانية وثلاثون ألف مثقال من الذهب ، وصرف في مؤنه وأجره تتمة ألف درهم فضة ، عنها خمسون ألف دينار ، ذهبا ، وبصدر إيوان هذه القاعة شباك حديد يقارب باب زويلة يطل على جنينة بديعة الشكل.
الدهيشة : عمّرها السلطان الملك الصالح عماد الدين إسماعيل بن محمد بن قلاون ، في سنة خمس وأربعين وسبعمائة ، وذلك أنه بلغه عن الملك المؤيد عماد الدين صاحب حماه أنه عمر بحماه دهيشة لم يبن مثلها ، فقصد مضاهاته ، وبعث الأمير أقجبا وابجيج المهندس لكشف دهيشة حماه ، وكتب لنائب حلب ونائب دمشق بحمل ألفي حجر بيض ، وألفي حجر حمر من حلب ودمشق ، وحشرت الجمال لحملها حتى وصلت إلى قلعة