الجبل ، وصرف في حمولة كلّ حجر من حلب اثنا عشر درهما ، ومن دمشق ثمانية دراهم ، واستدعى الرخام من سائر الأمراء وجميع الكتاب ، ورسم بإحضار الصناع للعمل ، ووقع الشروع فيها حتى تمت في شهر رمضان منها ، وقد بلغ مصروفها خمسمائة ألف درهم ، سوى ما قدم من دمشق وحلب وغير هما ، وعمل لها من الفرش والبسط والآلات ما يجلّ وصفه ، وحضر بها سائر الأغاني ، وكان مهما عظيما.
السبع قاعات : هذه القاعات تشرف على الميدان وباب القرافة ، عمّرها الملك الناصر محمد بن قلاون ، وأسكنها سراريه ، ومات عن ألف ومائتي وصيفة مولدة ، سوى من عداهنّ من بقية الأجناس.
الجامع بالقلعة : هذا الجامع أنشأه السلطان الملك الناصر محمد بن قلاون في سنة ثمان عشرة وسبعمائة ، وكان قبل ذلك هناك جامع دون هذا ، فهدمه السلطان وهدم المطبخ والحوائجخاناه والفراشخاناه ، وعمله جامعا ، ثم أخربه في سنة خمس وثلاثين وسبعمائة ، وبناه هذا البناء ، فلما تم بناؤه جلس فيه واستدعى جميع مؤذني القاهرة ومصر ، وجميع القرّاء والخطباء ، وعرضوا بين يديه ، وسمع تأذينهم وخطابتهم وقراءتهم ، فاختار منهم عشرين مؤذنا رتبهم فيه ، وقرّر فيه درس فقه ، وقارئا يقرأ في المصحف ، وجعل عليه أوقافا تكفيه وتفيض ، وصار من بعده من الملوك يخرجون أيام الجمع إلى هذا الجامع ويحضر خاصة الأمراء معه من القصر ، ويجيء باقيهم من باب الجامع ، فيصلي السلطان عن يمين المحراب في مقصورة خاصة به ، ويجلس عنده أكابر خاصته ، ويصلي معه الأمراء خصتهم وعامّتهم خارج المقصورة عن يمنتها ويسرتها على مراتبهم ، فإذا انقضت الصلاة دخل إلى قصوره ودور حرمه ، وتفرّق كلّ أحد إلى مكانه.
وهذا الجامع متسع الأرجاء مرتفع البناء ، مفروش الأرض بالرخام ، مبطن السقوف بالذهب ، وبصدره قبة عالية يليها مقصورة مستورة ، هي والرواقات بشبابيك الحديد المحكمة الصنعة ، ويحف صحنه رواقات من جهاته.
الدار الجديدة : هذه الدار عند باب سرّ القلعة المطل على سوق الخيل ، عمّرها الملك الظاهر بيبرس البندقداريّ في سنة أربع وستين وستمائة ، وعمل بها في جمادى الأولى منها دعوة للأمراء عند فراغها.
خزانة الكتب : وقع بها الحريق يوم الجمعة رابع صفر سنة إحدى وتسعين وستمائة ، فتلف بها من الكتب في الفقه والحديث والتاريخ وعامة العلوم شيء كثير جدا ، كان من ذخائر الملوك ، فانتهبها الغلمان وبيعت أوراقا محرّقة ، ظفر الناس منها بنفائس غريبة ما بين ملاحم وغيرها ، وأخذوها بأبخس الأثمان.