ذكر جيوش الدولة التركية وزيّها وعوايدها
اعلم أنه قد كان بقلعة الجبل مكان معدّ لديوان الجيش ، وأدركت منه بقية إلى أثناء دولة الظاهر برقوق ، وكان ناظر الجيش ، وسائر كتاب الجيش لا يبرحون في أيام الخدمة نهارهم مقيمين بديوان الجيش ، وكانت لهذا الديوان عوايد قد تغير أكثرها ونسي غالب رسومه ، وكانت جيوش الدولة التركية بديار مصر على قسمين ، منهم من هو بحضرة السلطان ، ومنهم من هو في أقطار المملكة وبلادها وسكان بادية كالعرب والتركمان. وجندها مختلط من أتراك وجركس وروم وأكراد وتركمان ، وغالبهم من المماليك المبتاعين ، وهم طبقات ، أكابرهم من له إمرة مائة فارس ، وتقدمة ألف فارس ، ومن هذا القبيل تكون أكابر النوّاب ، وربما زاد بعضهم بالعشرة فوارس والعشرين. ثم أمراء الطبلخاناه ، ومعظمهم من تكون له إمرة أربعين فارسا ، وقد يوجد فيهم من له أزيد من ذلك إلى السبعين ، ولا تكون الطبلخاناه لأقل من أربعين. ثم أمراء العشراوات ، ممن تكون له إمرة عشرة ، وربما كان فيهم من له عشرون فارسا ولا يعدّون في أمراء العشراوات. ثم جند الحلقة ، وهؤلاء تكون مناشيرهم من السلطان ، كما أنّ مناشير الأمراء من السلطان ، وأما أجناد الأمراء فمناشيرهم من أمرائهم ، وكان منشور الأمير يعين فيه للأمير ثلث الإقطاع ولأجناده الثلثان ، فلا يمكن الأمير ولا مباشروه أن يشاركوا أحدا من الأجناد فيما يخصهم إلّا برضاهم ، وكان الأمير لا يخرج أحدا من أجناده حتى يتبين للنائب موجب يقتضي إخراجه ، فحينئذ يخرجه نائب السلطان ويقيم عند الأمير عوضه ، وكان لكل أربعين جنديا من جند الحلقة مقدّم عليهم ، ليس له عليهم حكم إلّا إذا خرج العسكر لقتال ، فكانت مواقف اوربعين مع مقدّمهم وترتيبهم في موقفهم إليه ويبلغ بمصر إقطاع بعض أكابر أمراء المئني المقدّمين من السلطان مائتي ألف دينار جيشية ، وربما زاد على ذلك ، وأما غيرهم فدون ذلك ، يعبر أقلها إلى ثمانين ألف دينار وما حولها. وأمّا الطبلخاناه فمن ثلاثين ألف دينار إلى ثلاثة وعشرين ألف دينار ، وأما العشراوات فأعلاها سبعة آلاف دينار إلى ما دونها ، وأما إقطاعات أجناد الحلقة فأعلاها ألف وخمسمائة دينار ، وهذا القدر وما حوله إقطاعات أعيان مقدّمي الحلقة ، ثم بعد ذلك الأجناد بابات ، حتى يكون أدناهم مائتين وخمسين دينارا ، وسيرد تفصيل ذلك إن شاء الله تعالى وأما إقطاعات جند الأمراء فإنها على ما يراه الأمير من زيادة بينهم ونقص.
وأما إقطاعات الشام فإنها لا تقارب هذا ، بل تكون على الثلثين مما ذكرنا ، ما خلا نائب السلطنة بدمشق فإنه يقارب إقطاعه أعلى إقطاعات أكابر أمراء مصر المقرّبين.
وجميع جند الأمراء تعرض بديوان الجيش ويتبت اسم الجندي وحليته ، ولا يستبدل أميره به غير إلّا بتنزيل من عوّض به وعرضه.
وكانت للأمراء على السلطان في كلّ سنة ملابس ينعم بها عليهم ، ولهم في ذلك حظ