لأعز الأمراء وأقرب الخاصكية منه ، وكان جيد المعرفة بالخيل ، شياتها وأنسابها ، لا يزال يذكر أسماء من أحضرها إليه ومبلغ ثمنها ، فلما اشتهر عنه ذلك جلب إليه أهل البحرين والحساء والقطيف وأهل الحجاز والعراق كرائم خيولهم ، فدفع لهم في الفرس من عشرة آلاف درهم إلى عشرين إلى ثلاثين ألف درهم ، عنها ألف وخمسمائة مثقال من الذهب ، سوى ما ينعم به على مالكه من الثياب الفاخرة له ولنسائه ، ومن السكر ونحوه ، فلم تبق طائفة من العرب حتى قادت إليه عتاق خيلها ، وبلغ من رغبة السلطان فيها أنه صرف في أثمانها دفعة واحدة من جهة كريم الدين ناظر الخاص ألف ألف درهم في يوم واحد ، وتكرّر هذا منه غير مرّة ، وبلغ ثمن الفرس الواحد من خيول آل مهنا السنتين ألف درهم والسبعين ألف درهم ، واشترى كثيرا من الحجور بالثمانين ألفا والتسعين ألفا ، واشترى بنت الكرشاء بمائة ألف درهم ، عنها خمسة آلاف مثقال من الذهب ، هذا سوى الإنعامات بالضياع من بلاد الشام ، وكان من عنايته بالخيل لا يزال يتفقدها بنفسه ، فإذا أصيب منها فرس أو كبر سنه بعث به إلى الجشار (١) ، وتنزى (٢) الفحول المعروفة عنده على الحجور (٣) بين يديه ، وكتّاب الإصطبل تؤرّخ تاريخ نزوها ، واسم الحصان ، والحجرة ، فتوالدت عنده خيول كثيرة اغتنى بها عن الجلب ، ومع ذلك فلم تكن عنده في منزلة ما يجلب منها ، وبهذا ضخمت سعادة آل مهنا وكثرت أموالهم وضياعهم ، فعزّ جانبهم وكثر عددهم وهابهم من سواهم من العرب ، وبلغت عدّة خيول الجشارات في أيامه نحو ثلاثة آلاف فرس ، وكان يعرضها في كلّ سنة ويدوّغ أولادها بين يديه ويسلمها للعربان الركابة ، وينعم على الأمراء الخاصكية بأكثرها ، ويتبجح بها ويقول : هذه فلانة بنت فلان ، وهذا فلان بن فلانة ، وعمره كذا ، وشراء أم هذا كذا وكذا ، كان لا يزال يؤكد على الأمراء في تضمير الخيول ، ويلزم كلّ أمير أن يضمر أربعة أفراس ، ويتقدّم لأمير اخور أن يضمر للسلطان عدّة منها ويوصيه بكتمان خبرها ، ثم يشيع أنها لأيدغمش أمير اخور ، ويرسلها مع الخيل في حلبة السباق خشية أن يسبقها فرس أحد من الأمراء فلا يحتمل ذلك ، فإنه ممن لا يطيق شيئا ينقص ملكه ، وكان السباق في كلّ سنة بميدان القبق ، ينزل بنفسه وتحضر الأمراء بخيولها المضمرة ، فيجريها وهو على فرسه حتى تنقضي نوبها ، وكانت عدّتها مائة وخمسين فرسا فما فوقها ، فاتفق أنه كان عند الأمير قطلو بغا الفخريّ حصان أدهم سبق خيل مصر كلها في ثلاث سنين متوالية أيام السباق ، وبعث إليه الأمير مهنا فرسا شهباء على أنها إن سبقت خيل مصر فهي للسلطان ، وإن سبقها فرس ردّت إليه ولا يركبها عند السابق إلّا بدويّ قادها ، فركب السلطان للسباق في أمرائه على عادته ووقف معه سليمان وموسى ابنا مهنا ، وأرسلت الخيول من بركة الحاج على عادتها وفيها
__________________
(١) الجشار ، جشر دوابه : أخرجها للرعي دون العودة إلى أهلها.
(٢) تنزى : تثب.
(٣) الحجور : يقصد إناث الخيل.