غير الخلع وسائر ما ذكر ، ولم يبق اليوم سوى ما يخلع على أرباب الدولة ، وقد استجدّ في الأيام الظاهرية ، وكثر في أيام الناصر فرج نوع من الخلع يقال له الجبة ، يلبسه الوزير ونحوه من أرباب الرتب العلية ، جعلوا ذلك ترفعا عن لبس الخلعة ، ولم تكن الملوك تلبس من الثياب إلا المتوسط ، وتجعل حوائصها بغير ذهب ، فلم تزد حياصة الناصر محمد على مائة درهم فضة ، ولم يزد أيضا سقط سرجه على مائة درهم فضة على عباءة صوف تدمري أو شامي. فلما كانت دولة أولاده بالغوا في الترف وخالفوا فيه عوايد أسلافهم ، ثم سلك الظاهر برقوق في ملابسه بعض ما كان عليه الملوك الأكابر لا كله ، وترك لبس الحرير.
الميدان بالقلعة : هذا الميدان من بقايا ميدان أحمد بن طولون الذي تقدّم ذكره عند ذكر القطائع من هذا الكتاب ، ثم بناه الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب في سنة إحدى عشرة وستمائة ، وعمر إلى جانبه بركا ثلاثا لسقيه وأجرى الماء إليها ، ثم تعطل هذا الميدان مدّة ، فلما قام من بعده ابنه الملك العادل أبو بكر محمد بن الكامل محمد اهتم به ، ثم اهتم به الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل اهتماما زائدا ، وجدّد له ساقية أخرى ، وأنشأ حوله الأشجار ، فجاء من أحسن شيء يكون إلى أن مات ، فتلاشى أمر الميدان بعده وهدمه الملك المعز أيبك سنة إحدى وخمسين وستمائة. وعفت آثاره. فلما كانت سنة اثنتي عشرة وسبعمائة ابتدأ الملك الناصر محمد بن قلاون عمارته ، فاقتطع من باب الإصطبل إلى قريب باب القرافة ، وأحضر جميع جمال الأمراء فنقلت إليه الطين حتى كساه كله ، وزرعه وحفر به الآبار وركب عليها السواقي ، وغرس فيه النخل الفاخر والأشجار المثمرة ، وأدار عليه هذا السور الحجر الموجود الآن ، وبنى حوضا للسبيل من خارجه ، فلما كمل ذلك نزل إليه ولعب فيه الكرة مع أمرائه وخلع عليهم ، واستمرّ يلعب فيه يومي الثلاثاء والسبت ، وصار القصر الأبلق يشرف على هذا الميدان ، فجاء ميدانا فسيح المدى يسافر النظر في أرجائه ، وإذا ركب السلطان إليه نزل من درج تلي قصره الجوّاني ، فينزل السلطان إلى الإصطبل الخاص ، ثم إلى هذا الميدان وهو راكب وخواص الأمراء في خدمته ، فيعرض الخيول في أوقات الإطلاقات ويلعب فيه الكرة ، وكان فيه عدّة أنواع الوحوش المستحسنة المنظر ، وكانت تربط به أيضا الخيول للتفسح ، وفي هذا الميدان يصلي السلطان أيضا صلاة العيدين ، ويكون نزوله إليه في يوم العيد ، وصعوده من باب خاص من دهليز القصر غير المعتاد النزول منه ، فإذا ركب من باب قصره ونزل إلى منفذه من الإصطبل إلى هذا الميدان ، ينزل في دهليز سلطانيّ قد ضرب له على أكمل ما يكون من الأبهة ، فيصلّي ويسمع الخطبة ، ثم يركب ويعود إلى الإيوان الكبير ويمدّ به السماط ويخلع على حامل القبة والطير وعلى حامل السلام والاستادار والجاشنكير وكثير من أرباب الوظائف ، وكانت العادة أن تعدّ للسلطان أيضا خلعة العيد ، على أنه يلبسها كما كانت العادة في أيام الخلفاء ، فينعم بها على بعض أكابر أمراء المئين ، ولم يزل الحال على هذا إلى أن كانت سنة ثمانمائة ، فصلّى الملك