الظاهر برقوق صلاة عيد النجر بجامع القلعة ، لتخوّفه بعد واقعة الأمير علي باي ، فهجر الميدان واستمرّت صلاة العيد بجامع القلعة من عامئذ طول الأيام الناصرية والمؤيدية.
الحوش : ابتدئ العمل فيه على أيام الملك الناصر محمد بن قلاون في سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة ، وكان قياسه أربعة فدادين ، وكان موضعه بركة عظيمة قد قطع ما فيها من الحجر لعمارة قاعات القلعة ، حتى صارت غورا كبيرا ، ولما شرع في العمل ، رتب على كلّ أمير من أمراء المئين مائة رجل ومائة بهيمة ، لنقل التراب برسم الردم ، وعلى كلّ أمير من أمراء الطبلخاناه بحسبه ، وندب الأمير أقبغا عبد الواحد شاد العمل ، فحضر من عند كلّ من الأمراء أستاداره ومعه جنده ودوا به للعمل ، وأحضر الأساري ، وسخّر والي القاهرة ووالي مصر الناس ، وأحضرت رجال النواحي ، وجلس أستاذار كلّ أمير في خيمة ووزع العمل عليهم بالأقصاب ، ووقف الأمير أقبغا يستحث الناس في سرعة العمل ، وصار الملك الناصر يحضر في كلّ يوم بنفسه ، فنال الناس من العمل ضرر زائد ، وأخرق أقبغا بجماعة من أماثل الناس ، ومات كثير من الرجال في العمل لشدّة العسف وقوّة الحرّ ، وكان الوقت صيفا ، فانتهى عمله في ستة وثلاثين يوما ، وأحضر إليه من بلاد الصعيد ومن الوجه البحريّ ألفي رأس غنم وكثيرا من الأبقار البلق لتوقف في هذا الحوض ، فصار مراح غنم ومربط بقر ، وأجرى الماء إلى هذا الحوش من القلعة ، وأقام الأغنام حوله ، وتتبع في كلّ المراحات من عيذاب وقوص إلى ما دونهما من البلاد ، حتى يؤخذ ما بهما من الأغنام المختارة ، وجلبها من بلاد النوبة ومن اليمن ، فبلغت عدّتها بعد موته ثلاثين ألف رأس سوى اتباعها ، وبلغ البقل الأخضر الذي يشترى لفراخ الإوز في كلّ يوم خمسين درهما ، عنها زيادة على مثقالين من الذهب.
فلما كانت أيام الظاهر برقوق عمل المولد النبويّ بهذا الحوض في أوّل ليلة جمعة من شهر ربيع الأوّل في كلّ عام ، فإذا كان وقت ذلك ضربت خيمة عظيمة بهذا الحوض ، وجلس السلطان وعن يمينه شيخ الإسلام سراج الدين عمر بن رسلان بن نصر البلقينيّ ، ويليه الشيخ المعتقد إبراهيم برهان الدين بن محمد بن بهادر بن أحمد بن رفاعة المغربيّ ، ويليه ولد شيخ الإسلام ، ومن دونه وعن يسار السلطان الشيخ أبو عبد الله محمد بن سلامة التوزريّ المغربيّ ، ويليه قضاة القضاة الأربعة ، وشيوخ العلم ، ويجلس الأمراء على بعد من السلطان ، فإذا فرغ القرّاء من قراءة القرآن الكريم ، قام المنشدون واحدا بعد واحد ، وهم يزيدون على عشرين منشدا ، فيدفع لكلّ واحد منهم صرّة فيها أربعمائة درهم فضة ، ومن كلّ أمير من أمراء الدولة شقة حرير ، فإذا انقضت صلاة المغرب مدّت أسمطة الأطعمة الفائقة ، فأكلت وحمل ما فيها ، ثم مدّت أسمطة الحلوى السكرية من الجوارشات والعقائد ونحوها ، فتؤكل وتخطفها الفقهاء ، ثم يكون تكميل إنشاد المنشدين ووعظهم إلى نحو ثلث الليل ، فإذا فرغ المنشدون قام القضاة وانصرفوا ، وأقيم السماع بقية الليل ،