الملكة عصمة الدين أم خليل شجرة الدر الصالحية : فأقاموها في السلطنة وحلفوا لها في عاشر صفر ، ورتبوا الأمير عز الدين أيبك التركمانيّ الصالحيّ أحد البحرية مقدّم العسكر ، وسار عز الدين أيبك الروميّ من العسكر إلى قلعة الجبل ، وأنهى ذلك إلى شجرة الدرّ ، فقامت بتدبير المملكة وعلمت على التواقيع بما مثاله والدة خليل ، ونقش على السكة اسمها ومثاله ، المستعصمة الصالحية ملكة المسلمين والدة المنصور خليل خليفة أمير المؤمنين ، وكانت البحرية قد تسلمت مدينة دمياط من الملك روادفرنس بعد ما قرّر على نفسه أربعمائة ألف دينار ، وعاد العسكر من المنصورة إلى القاهرة في تاسع صفر وحلفوا لشجرة الدرّ في ثالث عشره ، فخلعت عليهم وأنفقت فيهم الأموال ، ولم يوافق أهل الشام على سلطنتها ، وطلبوا الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن العزيز صاحب حلب فسار إليهم بدمشق وملكها ، فانزعج العسكر بالقاهرة ، وتزوّج الأمير عز الدين أيبك التركمانيّ بالملكة شجرة الدرّ ، ونزلت له عن السلطنة وكانت مدّتها ثمانين يوما. وملك بعدها.
السلطان الملك المعز عز الدين أيبك الجاشنكير التركمانيّ الصالحيّ (١) : أحد المماليك الأتراك البحرية ، وكان قد انتقل إلى الملك الصالح من أولاد ابن التركمانيّ ، فعرف بالتركمانيّ ، ورقّاه في خدمه حتى صار من جملة الأمراء ورتبة جاشنكيره (٢) ، فلما مات الصالح وقدّمته البحرية عليهم في سلطنة شجرة الدرّ ، كتب إليهم الخليفة المستعصم من بغداد يذمّهم على إقامة امرأة ، ووافق مع ذلك أخذ الناصر لدمشق ، وحركتهم لمحاربته ، فوقع الاتفاق على إقامة أيبك في السلطنة ، فأركبوه بشعار السلطنة في يوم السبت آخر شهر ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين وستمائة ، ولقبوه بالملك المعز ، وجلس على تخت الملك بقلعة الجبل ، فورد الخبر من الغد بأخذ الملك المغيث عمر بن العادل الصغير الكرك والشوبك ، وأخذ الملك السعيد قلعة الصبيبة ، فاجتمع رأي الأمراء على إقامة الأشرف مظفر الدين موسى بن الناصر ، ويقال المسعود يوسف بن الملك المسعود يوسف ، ويقال طسز ، ويقال أيضا اقسيس بن الملك الكامل محمد بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب ، شريكا للمعز في السلطنة ، فأقاموه معه وعمره نحو ست سنين ، في خامس جمادى الأولى ، وصارت المراسيم تبرز عن الملكين ، إلّا أن الأمر والنهي للمعز ، وليس للأشرف سوى مجرّد الاسم ، وولى المعز الوزارة لشرف الدين أبي سعيد هبة الله بن صاعد الفائزيّ ، وهو أوّل قبطيّ وليّ وزارة مصر ، وخرج المعز بالعساكر وعربان مصر لمحاربة الناصر يوسف في
__________________
(١) انظر النجوم الزاهرة ج ٧ ص ٣.
(٢) الجاشنكير : هو الذي يتحدث بأمر السماط مع الاستادار ، ويتذوق الطعام والشراب قبل السلطان خوفا من أن يدس فيه سمّ أو نحوه. والكلمة مركبة من لفظين «جاشنا» وهي فارسية معناها الذوق والثاني «كير» ومعناها المتناول. أي الذي يتنذوق الطعام. النجوم الزاهرة ج ٧ ص ٤.