بخاتون القطبية ، وعملها المارستان المنصوري ، بنى في هذا الإصطبل المساكن ، وصارت من جملة الخطط المشهورة ، ويتوصل إليه من وسط سوق الخرشتف ، ويسلك فيه من آخره إلى المدرسة الناصرية والمدرسة الظاهرية المستجدّة ، وعمل على أوّله دربا يغلق وهو خط عامر.
خط باب سر المارستان : هذا الخط يسلك إليه من الخرشتف ، ويصير السالك فيه إلى البندقانيين ، وبعض هذا الخط وهو جله ومعظمه من جملة اصطبل الجميزة الذي كان فيه خيول الدولة الفاطمية ، وقد تقدّم ذكره. وموضع باب سر المارستان المنصوري هو باب الساباط ، فلما زالت الدولة واختط الكافوري والخرشتف واصطبل القطبية ، صار هذا الخط واقعا بين هذه الأخطاط ، ونسب إلى باب سر المارستان لأنه من هنالك ، وأدركت بعض هذه الخطة وهي خراب ، ثم أنشأ فيه القاضي جمال الدين محمود القيصري محتسب القاهرة في أيام ولايته. نظر المارستان ، في سنة إحدى وثمانين وسبعمائة ، الطاحون العظيمة ذات الأحجار ، والفرن والربع ، علوه في المكان الخراب ، وجعل ذلك جاريا في جملة أوقاف المارستان المنصوري.
خط بين القصرين : هذا الخط أعمر أخطاط القاهرة وأنزهها ، وقد كان في الدولة الفاطمية فضاء كبيرا وبراحا واسعا ، يقف فيه عشرة آلاف من العسكر ما بين فارس وراجل ، ويكون به طرادهم ووقوفهم للخدمة ، كما هو الحال اليوم في الرميلة تحت قلعة الجبل ، فلما انقضت أيام الدولة الفاطمية وخلت القصور من أهاليها ، ونزل بها أمراء الدولة الأيوبية وغيروا معالمها ، صار هذا الموضع سوقا مبتذلا بعد ما كان ملاذا مبجلا ، وقعد فيه الباعة بأصناف المأكولات ، من اللحمان المتنوّعة والحلاوات المصنعة والفاكهة وغيرها ، فصار منتزها تمر فيه أعيان الناس وأماثلهم في الليل مشاة ، لرؤية ما هناك من السرج والقناديل الخارجة عن الحدّ في الكثرة ، ولرؤية ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين ، مما فيه لذة للحواس الخمس ، وكانت تعقد فيه عدّة حلق لقراءة السير والأخبار وإنشاد الأشعار ، والتفنن في أنواع اللعب واللهو ، فيصير مجمعا لا يقدّر قدره ، ولا يمكن حكاية وصفه ، وسأتلو عليك من أنباء ذلك ما لا تجده مجموعا في كتاب.
قال المسبّحي في حوادث جمادى الآخرة سنة خمس وتسعين وثلثمائة : وفيه منع كل أحد ممن يركب مع المكاريين أن يدخل من باب القاهرة راكبا ، ولا المكاريين أيضا بحميرهم ، ولا يجلس أحد على باب الزهومة (١) من التجار وغيرهم ، ولا يمشي أحد
__________________
(١) في النجوم الزاهرة : ٤ / ٣٧ : من الأبواب الغربية للقصر الكبير ، سمي بذلك لأن اللحوم وحوائج الطعام التي يدخل بها إلى مطبخ القصر كان يدخل بها من هذا الباب.