عليّ بن الكوراني والي القاهرة ، بالقبض على الحرافيش وتقييدهم وسجنهم ، خوفا من غائلهم ونهبهم الناس عند وقوع الحريق ، فتتبعهم وقبض عليهم في الليل من بيوتهم ومن الحوانيت ، حتى خلت السكك ، منهم.
ثم إن الأمراء كلموا الوزير في أمرهم ، فأمر بإطلاقهم ، ونودي في البلد أن لا يقيم فيها غريب ، وطلبوا الخفراء وولاة المراكز وأمروا بالاحتفاظ وتتبع الناس ، وأخذ من تتوهم فيه ريبة أو يذكر بشيء من أمر هذا ، والحريق أمره في تزايد ، وصاروا إلى القاهرة من ذلك في تعب كبير لا ينام هو ولا أعوانه في الليل البتة لكثرة الضجات في الليل ، ووقع حريق في شونة حلفاء بمصر مجاورة لمطابخ السكر السلطانية ، فركب القاضي علم الدين بن زنبور ناظر الخاص في جماعة ، وخرج عامّة أهل مصر ، وتكاثروا على الشونة حتى طفئت ، ووقع الحريق في عدّة أماكن بمصر ، واستمرّ للحريق بمصر والقاهرة مدّة شهر ، من ابتدائه بالبندقانيين ، ولم يعلم له سبب. واستمرّ كثر خط البندقانيين خرابا إلى أن عمر الأمير يونس النوروزيّ ، دوادار الملك الظاهر برقوق ، الربع فوق بئر الدلاء التي كانت تعرف ببئر زويلة ، وأنشأ بجوار درب الأنجب الحوانيت والرباع والقياسرية ، في سنة تسع وثمانين وسبعمائة.
ثم أنشأ الأمير شهاب الدين أحمد الحاجب ابن أخت الأمير جمال الدين يوسف الاستادار ، داره بجوار حمام ابن عبود ، فاتصل ظهرها بدكاكين البندقانيين ، فصار فيها ما كان من خراب الحريق هناك ، حيث الحوض الذي أنشأه تجاه دار بيبرس. ولقد أدركنا في خط البندقانيين عدّة كثيرة من الحوانيت التي يباع فيها الفقاع ، تبلغ نحو العشرين حانوتا ، وكانت من أنزه ما يرى فإنها ، كانت كلها مرخمة بأنواع الرخام الملوّن ، وبها مصانع من ماء تجري إلى فوّارات تقذف بالماء على ذلك الرخام ، حيث كيزان الفقاع مرصوصة فيستحسن منظرها إلى الغاية ، لأنها من الجانبين ، والناس يمرّون بينهما ، وكان بهذا الخط عدّة حوانيت لعمل قسيّ البندق ، وعدّة حوانيت لرسم إشكال ما يطرّز بالذهب والحرير ، وقد بقيت من هذه الحوانيت بقايا يسيرة ، وهو من اخطاط القاهرة الجسيمة.
خط دار الديباج : هذا الخط هو فيما بين خط البندقانيين والوزيرية ، وكان أوّلا يعرف بخط دار الديباج ، لأن دار الوزير يعقوب بن كلس التي من جملتها اليوم المدرسة الصاحبية ودرب الحريري والمدرسة السيفية ، عملت دارا ينسج فيها الديباج والحرير برسم الخلفاء الفاطميين ، وصارت تعرف بدار الديباج ، فنسب إليها الخط إلى أن سكن هناك الوزير صفيّ الدين عبد الله بن عليّ بن شكر ، في أيام العادل أبي بكر بن أيوب ، فصار يعرف بخط سويقة الصاحب ، وهو خط جسيم به مساكن جليلة وسوق ومدرسة.
خط الملحيين : هذا الخط فيما بين الوزيرية والبندقانيين من وراء دار الديباج ، وتسميه العامّة خط طواحين الملوحيين بواو بعد اللام وقبل الحاء المهملة ، وهو تحريف ، وإنما هو