بديار مصر في أيام قلاون ، تجارى مرّة مع السلطان في حديث الأمراء ، فقال له المنصور : أما اليوم فما بقي في الأمراء خير أمير سلاح إذا قلت فارس خيل شجاع ، ما يردّ وجهه من عدوّه ، وإذا حلف ما يخون ، وإذا قال صدق. فقال طرنطاي والله يا خوند ، له إقطاع عظيم ما كان يصلح إلّا لي. فاحمرّ وجه السلطان وغضب وقال له : ويلك إيّاك أن تتكلم بهذا ، والله مكان يصل فيه سيف أمير سلاح ما يصل نشابك ولا نشاب غيرك ، وكان كريما شجاعا يسافر كل سنة مجرّدا بالعسكر فيصل إلى حلب للغارة ومحاصرة قلاع العدوّ ، فاشتهر بذلك في بلاد العدو وعظم صيته واشتدّت مهابته ، وكانت له رغبة في شراء المماليك والخيول بأغلى القيم ، وكان يبعث للأمراء المجرّدين معه النفقة ، ويقوم لهم بالشعير والأغنام ، وبلغت مماليكه الغاية في الحشمة ، وكان إقطاع كل منهم في السنة عشرين ألف درهم فضة ، عنها يومئذ ألف مثقال من الذهب ، ولكل من جنده خبز مبلغه في السنة عشرة آلاف درهم ، سوء كلفهم من الشعير واللحم ، ومع ذلك فكان خيرا ديّنا له صدقات ومعروف وإحسان كثير ، ومات بعد ما ترك أمرته في مرضه الذي ما فيه ، للنصف من ربيع الآخر سنة ست وسبعمائة رحمهالله. وبهذا الخط عدّة دور جليلة يأتي ذكرها عند ذكر الدور من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.
أولاد شيخ الشيوخ : جماعة أصلهم الذي ينتسبون إليه حمويه بن عليّ ، يقال أنه من ولد رزم بن يونان ، أحد قوّاد كسرى أنوشروان ، وولي قيادة جيش نصر بن نوح بن سامان ، ودبر دولته ، وهو جدّ شيخ الإسلام محمد ، وأخيه أبي سعد بني حمويه بن محمد بن حمويه ، وكان محمد وأبو سعد من ملوك خراسان ، فتركا الدنيا وأقبلا على طريق الآخرة ، ومات ركب الإسلام أبو سعد بنجران من قرى جوين في سنة سبع وعشرين وخمسمائة ، ومات أخوه شيخ الإسلام محمد بها في سنة ثلاثين وخمسمائة ، وترك أبو سعد ، زيد الدين أحمد وبنات ، وترك شيخ الإسلام محمد ولدا واحدا ، وهو أبو الحسن عليّ ، فتزوّج عليّ بن محمد بابنة عمه أبي سعد ورزق منها سعد الدين ، ومعين الدين حسنا ، وعماد الدين عمر ، وترك زين الدين أحمد بن أبي سعد ، ركن الدين أبا سعد ، وعزيز الدين ، وزين الدين القاسم ، فقدّم عماد الدين عمر بن علي بن محمد بن حمويه إلى دمشق ، وصار شيخ الشيوخ بها ، وقدم عليه ابنه شيخ الشيوخ صدر الدين عليّ ، فلما مات عمر في رجب سنة سبع وسبعين وخمسمائة بدمشق ، أقرّ السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب ، ولده صدر الدين محمدا موضعه ، وصار شيخ الشيوخ بدمشق ، فتزوّج بابنة القاضي شهاب الدين ابن أبي عصرون ، ورزق منها عشرة بنين ، منهم عماد الدين عمر ، وفخر الدين يوسف ، وكمال الدين أحمد ، ومعين الدين حسن ، فأرضعت أمّهم بنت أبي عصرون السلطان الملك الكامل محمد بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب ، فصار أخا لأولاد صدر الدين شيخ الشيوخ من الرضاعة ، وقدم صدر الدين إلى القاهرة وولى تدريس الشافعيّ بالقرافة ، ومشيخة الخانقاه