مصر الكبير ، واستقصيت فيه أخبارهم والله تعالى أعلم.
خط قصر بشتاك : هذا الخط من جملة القصر الكبير ، ويتوصل إليه من تجاه المدرسة الكاملية حيث كان باب القصر المعروف بباب البحر ، وهدمه الملك الظاهر بيبرس كما تقدّم في ذكر أبواب القصر ، وصار اليوم في داخل هذا الباب حارة كبيرة فيها عدّة دور جليلة ، منها قصر الأمير بشتاك ، وبه عرف هذا الخط.
وبشتاك هذا : هو الأمير سيف الدين بشتاك الناصري ، قرّبه الملك الناصر محمد بن قلاون ، وأعلى محله ، وكان يسميه بعد موت الأمير بكتمر الساقي بالأمير في غيبته ، وكان زائد التيه لا يكلم استاداره وكاتبه الأبتر جان ، ويعرف بالعربيّ ولا يتكلم به ، وكان إقطاعه ست عشرة طبلخانة أكبر من إقطاع قوصون ، ولما مات بكتمر الساقي ورثه في جميع أحواله واصطبله الذي على بركة الفيل ، وفي امرأته أمّ أحمد ، واشترى جاريته خوبي بستة آلاف دينار ، ودخل معها ما قيمته عشرة آلاف دينار ، وأخذ ابن بكتمر عنده وزاد أمره وعظم محله ، فثقل على السلطان وأراد الفتك به ، فما تمكن ، وتوجه إلى الحجاز وأنفق في الأمراء وأهل الركب والفقراء والمجاورين بمكة والمدينة شيأ كثيرا إلى الغاية ، وأعطى من الألف دينار إلى المائة دينار إلى الدينار ، بحسب مراتب الناس وطبقاتهم ، فلما عاد من الحجاز لم يشعر به السلطان إلّا وقد حضر في نفر قليل من مماليكه وقال : إن أردت إمساكي فها أنا قد جئت إليك برقبتي ، فغالطه السلطان وطيب خاطره ، وكان يرمى بأوابد ودواهي من أمر الزنا وجرّده السلطان لإمساك تنكر نائب الشام ، فحضر إلى دمشق بعد إمساكه هو وعشرة من الأمراء ، فنزلوا القصر الأبلق ، وحلف الأمراء كلهم للسلطان ولذريته ، واستخرج ودائع تنكر وعرض حواصله ومماليكه وجواريه وخيله وسائر ما يتعلق به ، ووسط طغاي وحفاي مملوكي تنكر في سوق الخيل ، ووسط دران أيضا بحضوره يوم الموكب ، وأقام بدمشق خمسة عشر يوما وعاد إلى القلعة وبقي في نفسه من دمشق وما تجاسر يفاتح السلطان في ذلك ، فلما مرض السلطان وأشرف على الموت ، ألبس الأمير قوصون مماليكه ، فدخل بشتاك ، فعرف السلطان ذلك ، فجمع بينهما وتصالحا قدّامه ، ونص السلطان على أن الملك بعده لولده أبي بكر ، فلم يوافق بشتاك وقال : لا أريد إلّا سيدي أحمد ، فلما مات السلطان قام قوصون إلى الشباك وطلب بشتاك وقال له : يا أمير المؤمنين أناما يجيء مني سلطان ، لأني كنت أبيع الطسما والبرغالي والكشاتوين ، وأنت اشتريت مني ، وأهل البلاد يعرفون ذلك ، وأنت ما يجيء منك سلطان ، لأنك كنت تبيع البوز وأنا اشتريت منك ، وأهل البلاد يعرفون ذلك ، وهذا أستاذنا هو الذي وصى لمن هو أخبر به من أولاده ، وما يسعنا إلّا امتثال أمره حيا وميتا وأنا ما أخالفك إن أردت أحمد أو غيره ، ولو أردت أن تعمل كل يوم سلطانا ما خالفتك. فقال بشتاك : هذا كله صحيح ، والأمر أمرك ، واحضر المصحف وحلفا عليه وتعانقا ، ثم قاما إلى رجلي السلطان فقبلاهما ، ووضعا أبا بكر ابن السلطان على الكرسيّ