وقبّلا له الأرض وحلفا له ، وتلقب بالملك المنصور ، ثم إن بشتاكا طلب من السلطان الملك المنصور نيابة دمشق ، فأمر له بذلك.
وكتب تقليده وبرز إلى ظاهر القاهرة وأقام يومين ، ثم طلع في اليوم الثالث إلى السلطان ليودّعه ، فوثب عليه الأمير قطلوبغا الفخريّ وأمسك سيفه وتكاثروا عليه فأمسكوه وجهزوه إلى الإسكندرية ، فاعتقل بها ، ثم قتل في الخامس من ربيع الأوّل سنة اثنين وأربعين وسبعمائة ، لأوّل سلطنة الملك الأشرف كجك ، وكان شابا أبيض اللون ظريفا مديد القامة نحيفا ، خفيف اللحية كأنها عذار ، على حركاته رشاقة حسن العمة يتعمم الناس على مثالها ، وكان يشبّه بأبي سعيد ملك العراق إلّا أنه كان غير عفيف الفرج زائد الهرج والمرج لم يعف عن مليحة ولا قبيحة ، ولم يدع أحدا يفوته ، حتى يمسك نساء الفلاحين وزوجات الملاحين.
واشتهر بذلك ورمي فيه بأوابد ، وكان زائد البذخ منهمكا على ما يقتضيه عنفوان الشبيبة ، كثير الصلف والتيه ، لا يظهر الرأفة ولا الرحمة في تأنيه ، ولما توجه بأولاد السلطان ليفرّجهم في دمياط كان يذبح لسماطه في كل يوم خمسين رأسا من الغنم وفرسا لا بدّ منه ، خارجا عن الأوز والدجاج ، وكان راتبه دائما كل يوم من الفحم برسم المشوي مبلغ عشرين درهما ، عنها مثقال ذهب ، وذلك سوى الطوارىء ، وأطلق له السلطان كل يوم بقجة قماش من اللفافة إلى الخف إلى القميص واللباس والملوطة والبغلطاق والقباء الفوقاني بوجه اسكندراني على سنجاب طريق مطرّز مزركش رقيق ، وكلوته وشاش ، ولم يزل يأخذ ذلك كل يوم إلى أن مات السلطان ، وأطلق له في يوم واحد عن ثمن قرية تبنى بساحل الرملة مبلغ ألف درهم فضة ، عنها يومئذ خمسون ألف مثقال من الذهب ، وهو أوّل من أمسك بعد موت الملك الناصر. وقال الأديب المؤرخ صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي ومن كتابه نقلت ترجمة بشتاك :
قال الزمان وما سمعنا قوله |
|
والناس فيه رهائن الأشراك |
من ينصر المنصور من كيدي وقد |
|
صاد الردى بشتاك لي بشراك |
خط باب الزهومة : هذا الخط عرف بباب الزهومة ، أحد أبواب القصر الكبير الشرقي الذي تقدّم ذكره ، فإنه كان هناك ، وقد صار الآن في هذا الخط سوق وفندق وعدّة آدر ، يأتي ذكر ذلك كله في موضعه إن شاء الله تعالى.
خط الزراكشة العتيق : هذا الخط فيما بين خط باب الزهومة وخط السبع خوخ ، وبعضه من دار العلم الجديدة ، وبعضه من جملة القصر النافعي ، وبعضه من تربة الزعفران ، وفيه اليوم فندق المهمندار الذي يدق فيه الذهب ، وخان الخليلي ، وخان منجك ، ودار خواجا ، ودرب الحبش ، وغير ذلك ، كما ستقف عليه إن شاء الله.