تقدّم ذكره في الحارات ، ويتوصل إليه من خطة الجامع الأزهر ، وقد كان فيما أدركناه من أعمر الأماكن.
أخبرني خادمنا محمد بن السعودي قال : كنت أسكن في أعوام بضع وستين وسبعمائة بدرب الأتراك ، وكنت أعاني صناعة الخياطة ، فجاءني في موسم عيد الفطر من الجيران أطباق الكعك والخشكنانج على عادة أهل مصر في ذلك ، فملأت زيرا كبيرا كان عندي مما جاءني من الخشكنانج خاصة ، لكثرة ما جاءني من ذلك ، إذ كان هذا الخط خاصا بكثرة الأكابر والأعيان ، وقد خرب اليوم منه عدّة مواضع.
درب الأسواني : ينسب إلى القاضي أبي محمد الحسن بن هبة الله الأسواني ، المعروف بابن عتاب.
درب شمس الدولة : هذا الدرب كان قديما يعرف بحارة الأمراء كما تقدّم ، فلما كان مجىء الغز إلى مصر واستيلاء صلاح الدين يوسف على مملكة مصر ، سكن في هذا المكان الملك المعظم شمس الدولة توران شاه ابن أيوب ، فعرف به وسمي من حينئذ درب شمس الدولة ، وبه يعرف إلى اليوم : توران شاه الملقب بالملك المعظم شمس الدولة بن نجم الدين أيوب بن شادي بن مروان ، قدم إلى القاهرة مع أهله من بلاد الشام في سنة أربع وستين وخمسمائة ، عندما تقلد صلاح الدين يوسف بن أيوب وزارة الخليفة العاضد لدين الله ، بعد موت عمه أسد الدين شير كوه ، وكانت له أعمال في واقعة السودان تولّاها بنفسه ، واقتحم الهول ، فكان أعظم الأسباب في نصرة أخيه صلاح الدين وهزيمة السودان ، ثم خرج إليهم بعد انهزامهم إلى الجيزة ، فأفناهم بالسيف حتى أبادهم ، وأعطاه صلاح الدين قوص وأسوان وعيداب ، وجعلها له أقطاعا ، فكانت عبرتها في تلك السنة مائتي ألف وستة وستين ألف دينار ، ثم خرج إلى غزو بلاد النوبة في سنة ثمان وستين ، وفتح قلعة أبريم وسبى وغنم ثم عاد بعد ما أقطع أبريم بعض أصحابه ، وخرج إلى بلاد اليمن في سنة تسع وستين وكان بها عبد النبيّ أبو الحسن عليّ ابن مهدي قد ملك زبيد وخطب لنفسه ، وكان الفقيه عمارة قد انقطع إلى شمس الدولة ، وصار يصف له بلاد اليمن ويرغّبه في كثرة أموالها ويغربه بأهلها ، وقال فيه قصيدته المشهورة التي أولها :
العلم مذ كان محتاج إلى القلم |
|
وشفرة السيف تستغني عن القلم |
فبعثه ذلك على المسير إلى بلاد اليمن فسار إليها في مستهل رجب ، ودخل مكة معتمرا وسار منها فنزل على زبيد في سابع شوّال ، وفي نهار الاثنين ثامن شوّال فتحها بالسيف وقبض على عليّ بن مهدي وأخوته وأقاربه ، واستولى على ما كان في خزائنه من مال ، وتسلّم الحصون التي كانت بيده ، وفي مستهل ذي القعدة توجه قاصدا عدن ، وبذل لياسر بن بلال في كل سنة ثلاثين ألف دينار وسلمها إليه ، فما رغب في ذلك ، وكان قصده