تعالى ، وهي من الدور الجليلة ، وبها إلى اليوم بعض ذريته وهي وقف.
دار المظفر : هذه الدار كانت بحارة برجوان ، أنشأها أمير الجيوش بدر الجمالي إلى أن مات ، فلما ولي الوزارة من بعده ابنه الأفضل ابن أمير الجيوش ، وسكن دار القباب التي عرفت بدار الوزارة ، وقد تقدّم ذكرها ، صار أخوه المظفر أبو محمد جعفر بن أمير الجيوش بهذه الدار ، فعرفت به ، وقيل لها دار المظفر ، وصارت من بعده دار الضيافة ، كما مرّ في هذا الكتاب. وآخر ما أعرفه أنها كانت ربعا وحمّاما وخرائب ، فسقط الربع بعد سنة سبعين وسبعمائة ، وكانت الحمام قد خربت قبل ذلك ، فلم تزل خرابا إلى سنة ثمان وثمانين وسبعمائة ، فشرع قاضي القضاة شمس الدين محمد بن أحمد بن أبي بكر الطرابلسيّ الحنفيّ في عمارتها ، فلما حفر أساس جداره القبليّ ظهر تحت الردم عتبة عظيمة من حجر صوّان مانع ، يشبه أن يكون عتبة دار المظفر ، وكان الأمير جهاركس الخليليّ إذ ذاك يتولى عمارة المدرسة التي أنشأها الملك الظاهر برقوق بخط بين القصرين ، فبعث بالرجال لهذه العتبة وتكاثروا على جرّها إلى العمارة ، فجعلها في المزمّلة التي تشرب منها الناس الماء بدهليز المدرسة الظاهرية ، وكمّل قاضي القضاة شمس الدين بناء داره ، حيث كانت دار المظفر ، فجاءت من أحسن دور القاهرة ، وتحوّل إليها بأهله وما زال فيها حتى مات بها ، وهو متقلد وظيفة قضاء القضاة الحنفية بالديار المصرية ، في ليلة السبت الثامن عشر من ذي الحجة سنة تسع وتسعين وسبعمائة ، وله من العمر سبعون سنة وأشهر ، ومولده بطرابلس الشام ، وأخذ الفقه على مذهب أبي حنفية رحمهالله ، عن جماعة من أهل طرابلس.
ثم خرج منها إلى دمشق فقرأ على صدر الدين محمد بن منصور الحنفيّ ، ووصل إلى القاهرة وقاضي الحنفية بها قاضي القضاة جمال الدين عبد الله التركمانيّ ، فلازمه وولّاه العقود وأجلسه ببعض حوانيت الشهود ، فتكسب ممن تحمل الشهادة مدّة. وقرأ على قاضي القضاة سراج الهدى ، ولازمه فولّاه نيابة القضاء بالشارع ، فباشرها مباشرة مشكورة ، وأجازه العلامة شمس الدين محمد بن الصائغ الحنفيّ بالإفتاء والتدريس ، فلما مات صدر الدين بن منصور قلده الملك الظاهر برقوق قضاء القضاة مكانه في يوم الاثنين ثاني عشرى شهر ربيع الآخر سنة ست وثمانين وسبعمائة ، فباشر القضاء بعفة وصيانة وقوّة في الأحكام لها النهاية ومهابة وحرمة وصولة تذعن لها الخاصة والعامّة ، إلى أن صرف في سابع عشر رمضان سنة إحدى وتسعين وسبعمائة بشيخنا قاضي القضاة مجد الدين إسماعيل بن إبراهيم التركمانيّ ، فلم يزل إلى أن عزل مجد الدين وولي من بعده قاضي القضاة وناظر الجيوش جمال الدين محمود القيصريّ ، وهو ملازم داره وما بيده من التدريس ، وهو على حال حسنة وتجلد من الكافة ، إلى أن استدعاه السلطان في يوم الثلاثاء تاسع شهر ربيع الأوّل سنة تسع وتسعين وسبعمائة ، فقلّده وظيفة القضاء عوضا عن محمود القيصري ، فلم يزل حتى مات من عامه رحمهالله تعالى ، وهذه الدار على يسرة من سلك من باب حارة برجوان طالبا المسجد