كان يلقب بحرفوش ، وأمّه أشلون ابنة شنكاي ، ولد يوم السبت النصف من المحرّم سنة أربع وثمانين وستمائة بقلعة الجبل من ديار مصر ، وولى الملك ثلاث مرّات ، الأولى بعد مقتل أخيه الملك الأشرف خليل بن قلاون في رابع عشر المحرّم سنة ثلاث وتسعين وستمائة ، وعمره تسع سنين ، تنقص يوما واحدا ، فأقام في الملك سنة إلّا ثلاثة أيام وخلع بمملوك أبيه كتبغا المنصوريّ ، يوم الأربعاء حادي عشر المحرّم سنة أربع وتسعين وستمائة ، وأعيد إلى المملكة ثانيا بعد قتل الملك المنصور لاجين يوم الاثنين سادس جمادى الأولى سنة ثمان وتسعين وستمائة ، فأقام عشر سنين وخمسة أشهر وستة عشر يوما ، وعزل نفسه وسار إلى الكرك ، فولي الملك من بعده الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير ، وتلقب بالملك المظفر في يوم السبت ثالث عشري شوّال سنة ثمان وسبعمائة ، ثم حضر من الكرك إلى الشام وجمع العساكر ، فخامر على بيبرس معظم جيش مصر ، وانحل أمره فترك الملك في يوم الثلاثاء سادس عشر شهر رمضان سنة تسع وسبعمائة ، وطلع الملك الناصر إلى قلعة الجبل يوم عيد الفطر من السنة المذكورة ، واستولى على ممالك مصر والشام والحجاز ، فأقام في الملك من غير منازع له فيه إلى أن مات بقلعة الجبل في ليلة الخميس الحادي والعشرين من ذي الحجة ، سنة إحدى وأربعين وسبعمائة ، وعمره سبع وخمسون سنة وأحد عشر شهرا وخمسة أيام ، وله في ولايته الثالثة مدّة اثنتين وثلاثين سنة وشهرين وعشرين يوما ، وجملة إقامته في الملك عن المدد الثلاث ثلاث وأربعون سنة وثمانية أشهر وتسعة أيام.
ولما مات ترك ليلته ومن الغد حتى تمّ الأمر لابنه أبي بكر المنصور في يوم الخميس المذكور ، ثم أخذ في جهازه فوضع في محفة بعد العشاء الآخرة بساعة وحمل على بغلين وأنزل من القلعة إلى الإصطبل السلطانيّ ، وسار به الأمير ركن الدين بيبرس الأحمديّ أمير جاندار ، والأمير نجم الدين أيوب والي القاهرة ، والأمير قطلوبغا الذهبيّ ، وعلم دار خوطا جار الدوادار وعبروا به إلى القاهرة من باب النصر ، وقد غلقت الحوانيت كلها ومنع الناس من الوقوف للنظر إليه ، وقدّام المحفة شمعة واحدة في يد علمدار ، فلما دخلوا به من باب النصر كان قدامه مسرجة في يد شاب وشمعة واحدة ، وعبروا به المدرسة المنصورية بين القصرين ليدفن عند أبيه الملك المنصور قلاون ، وكان الأمير علم الدين سنجر الجاوليّ ناظر المارستان قد جلس ومعه القضاة الأربعة وشيخ الشيوخ ركن الدين شيخ خانقاه سرياقوس ، والشيخ ركن الدين عمر ابن الشيخ إبراهيم الجعبريّ ، فحطت المحفة وأخرج منها فوضع بجانب الفسقية التي بالقبة ، وأمر ابن أبي الظاهر مغسّل الأموات بتغسيله ، فقال : هذا ملك ولا أنفرد بتغسيله إلّا أن يقوم أحد منكم ويجرّده على الدكه ، فإني أخشى أن يقال كان معه فص أو خاتم أو في عنقه خرزة ، فقام قطلوبغا الذهبيّ وعلمدار وجرّداه مع الغاسل من ثيابه ، فكان على رأسه قبع أبيض من قطن ثيابه ، وعلى بدنه بغلطاق صدر أبيض وسراويل ، فنزعا وترك القميص عليه ، وغسل به ، ووجد في رجله الموجوعة بخشان