بمحبسه في الثاني عشر من صفر سنة أربعة وثلاثين وسبعمائة ، وحمل من القلعة إلى جامعه فدفن به ، وأخذ جميع ما كان في داره من الرخام فقلع منها وكان رخاما فاخرا إلى الغاية ، وكان أسمر طوالا غتميا لا يفهم شيئا بالعربيّ ، ساذجا يجلس في بيته فوق لباد على ما اعتماده ، وبهذا الجامع رخام كثير نقله من جزائر البحر وبلاد الشام والروم.
جامع قوصون
هذا الجامع بالشارع خارج باب زويلة ، ابتدأ عمارته الأمير قوصون في سنة ثلاثين وسبعمائة ، وكان موضعه دارا بجوار حارة المصامدة من جانبها الغربيّ ، تعرف بدار أقوش نميله ، ثم عرفت بدار الأمير جمال الدين قتال السبع الموصليّ ، فأخذها من ولده وهدمها وتولى بناءه شادّ العمائر ، واستعمل فيه الأسرى ، كان قد حضر من بلاد توريز بناء فبنى مئذنتي هذا الجامع على مثالث المئذنة التي عملها خواجا علي شاه ، وزير السلطان أبي سعيد في جامعه بمدينة توريز ، وأوّل خطبة أقيمت فيه يوم الجمعة من شهر رمضان سنة ثلاثين وسبعمائة ، وخطب يومئذ قاضي القضاة جلال الدين القزوينيّ بحضور السلطان ، ولما انقضت صلاة الجمعة أركبه الملك الناصر بغلة بخلعة سنية ، ثم منعه السلطان الملك الناصر أن يستقرّ في خطابته ، فولى فخر الدين شكر.
قوصون : الأمير الكبير سيف الدين ، حضر من بلاد بركة إلى مصر صحبة خوند ابنة أزبك امرأة الملك الناصر محمد بن قلاون في ثالث عشري ربيع الآخر سنة عشرين وسبعمائة ، ومعه قليل عصيّ وطسما ونحو ذلك مما قيمته خمسمائة درهم ليتجر فيه ، فطاف بذلك في أسواق القاهرة وتحت القلعة وفي داخل قلعة الجبل ، فاتفق. في بعض الأيام أنه دخل إلى الإصطبل السلطانيّ ليبيع ما معه ، فأحبه بعض الأوشاقية وكان صبيا جميلا طويلا له من العمر ما يقارب الثماني عشرة سنة ، فصار يتردّد إلى الأوشاقيّ إلى أن رآه السلطان ، فوقع منه بموقع ، فسأل عنه فعرّف بأنه يحضر ليبيع ما معه ، وأن بعض الأوشاقية تولع به ، فأمر بإحضاره إليه وابتاع منه نفسه ليصير من جملة المماليك السلطانية ، فنزله من جملة السقاة وشغف به وأحبه حبا كثيرا ، فأسلمه للأمير بكتمر الساقي وجعله أمير عشرة ، ثم أعطاه أمرة طبلخاناه ، ثم جعله أمير مائة مقدّم ألف ، ورقاه حتى بلغه أعلى المراتب ، فأرسل إلى البلاد وأحضر إخوته ، سوسون وغيره من أقاربه ، وأمر الجميع واختص به السلطان ، بحيث لم ينل أحد عنده ما ناله ، وزوّجه بابنته ، وتزوّج السلطان أخته ، فلما احتضر السلطان جعله وصيا على أولاده ، وعهد لابنه أبي بكر فأقيم في الملك من بعده ، وأخذ قوصون في أسباب السلطنة ، وخلع أبا بكر المنصور بعد شهرين وأخرج إلى مدينة قوص ببلاد الصعيد ، ثم قتله ، وأقام كجك ابن السلطان وله من العمر خمس سنين ، ولقبه بالملك الأشرف ، وتقلد نيابة السلطنة بديار مصر ، فأمّر من حاشيته وأقاربه ستين أميرا ، وأكثر من العطاء وبذل