الكبير ، ونصب بينهما ساباطا يتوصل به من أحدهما إلى الآخر ، وكان هذا الخط يسكنه جماعة من الفرنج والأقباط ، ويرتكبون من القبائح ما يليق بهم ، فلما عمر هذا الجامع وأعلن فيه بالأذان وإقامة الصلوات ، اشمأزت قلوبهم لذلك وتحوّلوا من هذا الخط ، وهو من أبهج الجوامع وأحسنها رخاما ، وأنزهها. وادركناه إذا قويت زيادة ماء النيل فاضت بركة الفيل وغرّقته فيصير لجة ماء ، لكن منذ انحسر ماء النيل عن البلد إلى جهة الغرب بطل ذلك ، وله من الآثار سوى ذلك ، قصر بشتاك بين القصرين ، وقد تقدّم ذكره.
جامع آق سنقر
هذا الجامع بسويقة السباعين على البركة الناصرية ، عمره الأمير آق سنقر شادّ العمائر السلطانية ، وإليه تنسب قنطرة آق سنقر التي على الخليج الكبير بخط قبو الكرمانيّ ، قبالة الحبانية ، وأنشأ أيضا دارا جليلة وحمامين بخط البركة الناصرية ، وكان من جملة الأوشاقية في أوّل أيام الملك الناصر محمد بن قلاون ، ثم عمله أمير أخور ونقله منها فجعله شادّ العمائر السلطانية ، وأقام فيها مدّة فأثرى ثراء كبيرا ، وعمر ما ذكر ، وجعل على الجامع عدّة أوقاف ، فعزل وصودر والخرج من مصر إلى حلب ، ثم نقل منها إلى دمشق ، فمات بها في سنة أربعين وسبعمائة.
جامع آق سنقر
هذا الجامع قريب من قلعة الجبل فيما بين باب الوزير والتبانة ، كان موضعه في القديم مقابر أهل القاهرة ، وأنشأه الأمير آق سنقر الناصريّ ، وبناه بالحجر وجعل سقوفه عقودا من حجارة ، ورخمه واهتمّ في ثنائه اهتماما زائدا حتى كان يقعد على عمارته بنفسه ، ويشيل التراب مع الفعلة بيده ، ويتأخر عن غدائه اشتغالا بذلك ، وأنشأ بجانبه مكتبا لإقراء أيتام المسلمين القرآن ، وحانوتا لسقي الناس الماء العذب ، ووجد عند حفر أساس هذا الجامع كثيرا من الأموات ، وجعل عليه ضيعة من قرى حلب ، تغلّ في السنة مائة وخمسين ألف درهم فضة ، عنها نحو سبعة آلاف دينار ، وقرّر فيه درسا فيه عدّة من الفقهاء ، وولى الشيخ شمس الدين محمد بن اللبان الشافعيّ خطابته ، وأقام له سائر ما يحتاج إليه من أرباب الوظائف ، وبنى بجواره مكانا ليدفن فيه ، ونقل إليه ابنه فدفنه هناك ، وهذا الجامع من أجلّ جوامع مصر ، إلّا أنه لما حدثت الفتن ببلاد الشام وخرجت النوّاب عن طاعة سلطان مصر منذ مات الملك الظاهر برقوق ، امتنع حضور مغلّ وقف هذا الجامع لكونه في بلاد حلب ، فتعطل الجامع من أرباب وظائفه إلّا الاذان والصلاة. وإقامة الخطبة في الجمع والأعياد ، ولما كانت سنة خمس عشرة وثمانمائة أنشأ في وسطه الأمير طوغان الدوادار بكرة ماء ، وسقفها ونصب عليها عمدا من رخام لحمل السقف ، أخذها من جامع الخندق ، فهدم الجامع بالخندق من أجل ذلك ، وصار الماء ينقل إلى هذه البركة من ساقية الجامع التي