آل ملك : الأمير سيف الدين أصله مما أخذ في أيام الملك الظاهر من كسب الأبلستين لما دخل إلى بلاد الروم في سنة ست وسبعين وستمائة ، وصار إلى الأمير سيف الدين قلاون وهو أمير قبل سلطنته ، فأعطاه لابنه الأمير عليّ ، وما زال يترقى في الخدم إلى أن صار من كبار الأمراء المشايخ رؤوس المشورة في أيام الملك الناصر محمد بن قلاون ، وكان لما خلع الناصر وتسلطن بيبرس يتردّد بينهما من مصر إلى الكرك ، فأعجب الناصر عقله وتأنيه ، وسير من الكرك يقول للمظفر لا يعود يجيء إليّ رسولا غير هذا فلما قدم الناصر إلى مصر عظمه ولم يزل كبيرا موقرا مبجلا ، فلما ولى الناصر أحمد السلطنة أخرجه إلى نيابة خماه ، فأقام بها إلى أن تولى الصالح اسماعيل ، فأقدمه إلى مصر وأقام بها على حاله إلى أن أمسك الأمير آق سنقر السلاريّ نائب السلطنة بديار مصر ، فولاه النيابة مكانه ، فشدّد في الخمر إلى الغاية ، وحدّ شاربها وهدم خزانة البنود وأراق خمورها ، وبنى بها مسجدا وسكرها للناس ، فسكنت إلى اليوم كما تقدّم ذكره ، وأمسك الزمام زمانا ، وكان يجلس للحكم في الشباك بدار النيابة من قلعة الجبل طول نهاره لا يملّ ذلك ولا يسأم ، وتروح أرباب الوظائف ولا يبقى عنده إلا النقباء البطالة ، وكان له في قلوب الناس مهابة وحرمة إلى أن تولى الكامل شعبان ، فأخرجه أوّل سلطنته إلى دمشق نائبا بها عوضا عن الأمير طقزدمر ، فلما كان في أوّل الطريق حضر إليه من أخذه وتوجه به إلى صفد نائبا بها ، فدخلها آخر ربيع الآخر سنة سبع وأربعين وسبعمائة ، ثم سأل الحضور إلى مصر فرسم له بذلك ، فلما توجه ووصل إلى غزة أمسكه نائبها ووجهه إلى الاسكندرية في سنة سبع وأربعين ، فخنق بها. وكان خيرا فيه دين وعبادة يميل إلى أهل الخير والصلاح ، وتعتقد بركته ، وخرّج له أحمد بن أيبك الدمياطيّ مشيخة ، وحدّث بها وقرئت عليه مرّات وهو جالس في شباك النيابة بقلعة الجبل ، وعمر هذا الجامع ودارا مليحة عند المشهد الحسينيّ من القاهرة ، ومدرسة بالقرب منها ، وكان بركة من أحسن ما يكون ، وخيله مشهورة موصوفة ، وكان يقول كل أمير لا يقوّم رمحه ويسكب الذهب إلى أن يساوي السنان ما هو أمير ، رحمة الله عليه.
جامع الفخر
في ثلاثة مواضع ، في بولاق خارج القاهرة ، وفي الروضة تجاه مدينة مصر ، وفي جزيرة الفيل على النيل ما بين بولاق ومنية السيرج. أمّا جامع الفخر بناحية بولاق فإنه موجود تقام فيه الجمعة إلى اليوم ، وكان أوّلا عند ابتداء بنائه يعرف موضعه بخط خص الكيالة ، وهو مكان كان يؤخذ فيه مكس الغلال المبتاعة ، وقد ذكر ذلك عند ذكر أقسام مال مصر من هذا الكاتب. وجامع الروضة باق تقام فيه الجمعة. وأما الجامع بجزيرة الفيل فإنه كان باقيا إلى نحو سنة تسعين وسبعمائة ، وصليت فيه الجمعة غير مرّة ، ثم خرب وموضعه باق بجوار دار تشرف على النيل تعرف بدار الأمير شهاب الدين أحمد بن عمر بن قطينة ،