جامع القرافة
هذا الجامع يعرف الآن بجامع الأولياء ، وهو القرافة الكبرى ، وكان موضعه يعرف في القديم عند فتح مصر بخطة المغافر ، وهو مسجد بني عبد الله بن مانع بن مورع يعرف بمسجد القبة. قال القضاعيّ : كان القرّاء يحضرون فيه ، ثم بني عليه المسجد الجامع الجديد ، بنته السيدة المعزية في سنة ست وستين وثلاثمائة وهي أمّ العزيز بالله نزار ولد المعز لدين الله ، أمّ ولد من العرب يقال لها تغريد ، وتدعى درزان ، وبنته على يد الحسن بن عبد العزيز الفارسيّ المحتسب في شهر رمضان من السنة المذكورة ، وهو على نحو بناء الجامع الأزهر بالقاهرة ، وكان بهذا الجامع بستان لطيف في غربيه وصهريج ، وبابه الذي يدخل منه ذو المصاطب الكبير الأوسط تحت المنار العالي الذي عليه مصفح بالحديد إلى حضرة المحراب ، والمقصورة من عدّة أبواب ، وعدّتها أربعة عشر بابا مربعة مطوّبة الأبواب ، قدّام كلّ باب قنطرة قوس على عمودي رخام ثلاثة صفوف ، وهو مكندج مزوّق باللازورد والزنجفر والزنجار وأنواع الأصباغ ، وفيه مواضع مدهونة ، والسقوف مزوّقة ملوّنة كلها ، والحنايا والعقود التي على العمد مزوّقة بأنواع الأصباغ من صنعة البصريين وبني المعلم المزوّقين شيوخ الكتاميّ والنازوك ، وكان قبالة الباب السابع من هذه الأبواب قنطرة قوس مزوّقة في منحنى حافتيها شاذوران مدرّج بدرج وآلات سود وبيض وحمر وخضر وزرق وصفر ، إذا تطلع إليها من وقف في سهم قوسها شائلا رأسه إليها ظنّ أن المدرّج المزوّق كأنه خشب كالمقرنص ، وإذا أتى إلى أحد قطري القوس نصف الدائرة ووقف عند أوّل القوس منها ورفع رأسه ، رأى ذلك الذي توهمه مسطحا لا نتوء فيه ، وهذه من أفخر الصنائع عند المزوّقين ، وكانت هذه القنطرة من صنعة بني المعلم ، وكان الصناع يأتون إليها ليعملوا مثلها ، فما يقدرون ، وقد جرى مثل ذلك للقصير وابن عزيز في أيام البازوريّ سيد الوزراء الحسن بن عليّ بن عبد الرحمن ، وكان كثيرا ما يحرّض بينهما ويغري بعضهما على بعض لانه كان أحبّ ما إليه كتاب مصوّرا ، أو النظر إلى صورة ، أو تزويق.
ولما استدعي ابن عزيز من العراق فأفسده ، وكان قد أتى به في محاربة القصير لأنّ القصير كان يشتط في أجرته ويلحق عجب فيه صنعته ، وهو حقيق بذلك لأنه في عمل الصورة كابن مقلة في الخط ، وابن عزيز كابن البوّاب ، وقد أمعن شرح ذلك في الكتاب المؤلف فيه ، وهو طبقات المصوّرين المنعوت ، بضوء النبراس وأنس الجلاس في أخبار المزوّقين من الناس ، وكان البازوريّ قد أحضر بمجلسه القصير وابن عزيز فقال ابن عزيز : أنا أصوّر صورة إذا رآها الناظر ظنّ أنها خارجة من الحائط. فقال القصير : لكن أنا أصوّرها فإذا نظرها الناظر ظنّ أنها داخلة في الحائط ، فقالوا هذا أعجب ، فأمرهما أن يصنعا ما وعدا به ، فصوّرا صورة راقصتين في صورة حنيتين مدهونتين متقابلتين ، هذه ترى كأنها داخلة في الحائط ، وتلك ترى كأنها خارجه من الحائط ، فصوّر القصير راقصة بثياب بيض في صورة