الجامع على عمارته إلى أن احترق في السنة التي احترق فيها جامع عمرو بن العاص سنة أربع وستين وخمسمائة ، عند نزول مرى ملك الفرنج على القاهرة وحصارها كما تقدّم ذكره عند ذكر خراب الفسطاط من هذا الكتاب ، وكان الذي تولى إحراق هذا الجامع ابن سماقة بإشارة الأستاذ مؤتمن الخلافة جوهر ، وهو الذي أمر المذكور بحريق جامع عمرو بمصر ، وسئل عن ذلك فقال : لئلا يخطب فيه لبني العباس. ولم يبق من هذا الجامع بعد حريقه سوى المحراب الأخضر ، وكان مؤذن هذا الجامع في أيام المستنصر ابن بقاء المحدّث ابن بنت عبد الغنيّ بن سعيد الحافظ ، ثم جدّدت عمارة هذا الجامع في أيام المستنصر بعد حريقه ، وأدركته لما كانت القرافة الكبرى عامرة بسكنى السودان التكاررة ، وهو مقصود للبركة. فلما كانت الحوادث والمحن في سنة ست وثمانمائة ، قلّ الساكن بالقرافة وصار هذا الجامع طول الأيام مغلوقا ، وربما أقيمت فيه الجمعة.
جامع الجيزة
بناه محمد بن عبد الله الخازن في المحرّم سنة خمسين وثلاثمائة بأمر الأمير عليّ بن عبد الله بن الإخشيد ، فتقدّم كافور إلى الخازن ببنائه ، فإنه كان قد هدمه النيل وسقط في سنة أربعين وثلاثمائة ، وعمل له مستغلا ، وكان الناس قبل ذلك بالجيزة يصلون الجمعة في مسجد جامع همدان ، وهو مسجد مزاحف بن عامر بن بكتل ، وقيل أن عقبة بن عامر في إمرته على مصر أمرهم أن يجمعوا فيه. قال التميميّ : وشارف بناء جامع الجيزة مع أبي بكر الخازن أبو الحسن بن جعفر الطحاويّ ، واحتاجوا إلى عمد للجامع ، فمضى الخازن في الليل إلى كنيسة بأعمال الجيزة فقلع عمدها ونصب بدلها أركانا ، وحمل العمد إلى الجامع ، فترك أبو الحسن بن الطحاويّ الصلاة فيه مذ ذاك تورّعا. قال التميمي : وقد كان يعني ابن الطحاويّ يصلي في جامع الفسطاط القديم وبعض عمده أو أكثرها ورخامه من كنائس الإسكندرية وأرياف مصر ، وبعضه بناء قرّة بن شريك عامل الوليد بن عبد الملك.
جامع منجك
هذا الجامع يعرف موضعه بالثغرة تحت قلعة الجبل خارج باب الوزير ، أنشأه الأمير سيف الدين منجك اليوسفيّ في مدّة وزارته بديار مصر في سنة إحدى وخمسين وسبعمائة ، وصنع فيه صهريجا ، فصار يعرف إلى اليوم بصهريج منجك ، ورتب فيه صوفية وقرّر لهم في كل يوم طعاما ولحما وخبزا ، وفي كلّ شهر معلوما ، وجعل فيه منبرا ورتب فيه خطيبا يصلي بالناس فيه صلاة الجمعة ، وجعل على هذا الموضع عدّة أوقاف منها ناحية بلقينة بالغربية ، وكانت مرصدة برسم الحاشية ، فقوّمت بخمسة وعشرين ألف دينار فاشتراها من بيت المال وجعلها وقفا على هذا المكان.