كم ، فالعلم الذي يطلب فيه ماهيات الأشياء هو الإلهيّ ، والذي يطلب فيه كيفيات الأشياء هو الطبيعيّ ، والذي يطلب فيه كميات الأشياء هو الرياضيّ. ووضع بعد ذلك أرسطو صنعة المنطق ، وكانت بالقوّة في كلام القدماء ، فأظهرها ورتبها. واسم الفلاسفة يطلق على جماعة من الهند ، وهم الطبسيون والبراهمة ، ولهم رياضة شديدة ، وينكرون النبوّة أصلا ، ويطلق أيضا على العرب بوجه أنقص ، وحكمتهم ترجع إلى أفكارهم وإلى ملاحظة طبيعية ، ويقرّون بالنبوّات ، وهم أضعف الناس في العلوم ، ومن الفلاسفة حكماء الروم ، وهم طبقات ، فمنهم أساطين الحكمة ، وهم أقدمهم ، ومنهم المشاؤون وأصحاب الرواق ، وأصحاب أرسطو ، وفلاسفة الإسلام. فمن فلاسفة الروم الحكماء السبعة ، أساطين الحكمة ، أهل ملطية وقونية وهم : تاليس الملطيّ ، وانكساغورس ، وانكسمالس ، وابنادفيس ، وفيثاغورس ، وسقراط ، وأفلاطون. ودون هؤلاء فلوطس ، وبقراط ، وديمقراطيس ، وأسعر والنساس. ومنهم حكماء الأصول من القدماء ، ولهم القول بالسيمياء ، ولهم أسرار الخواص والحيل والكيمياء والأسماء الفعالة والحروف ، ولهم علوم توافق علوم الهند ، وعلوم اليونانيين ، وليس من موضوع كتابنا هذا ذكر تراجمهم ، فلذلك تركناها.
القسم الثاني فرق أهل الإسلام. الذي عناهم النبيّ صلىاللهعليهوسلم بقوله : «ستفترق أمّتي ثلاثا وسبعين فرقة ، اثنتان وسبعون هالكة ، وواحدة ناجية» وهذا الحديث أخرجه أبو داود والترمذيّ وابن ماجه من حديث أبي هريرة رضياللهعنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «افترقت اليهود على إحدى وسبعين أو اثنتين وسبعين فرقة ، وتفرّقت النصارى على إحدى وسبعين أو اثنتين وسبعين فرقة ، وتفترق أمّتي على ثلاث وسبعين فرقة» قال البيهقيّ حسن صحيح ، وأخرجه الحاكم وابن حبان في صحيحه بنحوه ، فأخرجه في المستدرك من طريق الفضل بن موسى ، عن محمد بن عمر ، عن أبي سلمة عن أبي هريرة به ، وقال هذا حديث كثير في الأصول ، وقد روي عن سعد بن أبي وقاص ، وعبد الله بن عمر ، وعوف بن مالك عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم بمثله ، وقد احتج مسلم بمحمد بن عمر ، وعن أبي سلمة عن أبي هريرة ، واتفقا جميعا على الاحتجاج بالفضل بن موسى وهو ثقة.
واعلم أن فرق المسلمين خمسة : أهل السنة ، والمرجئة ، والمعتزلة ، والشيعة ، والخوارج. وقد افترقت كلّ فرقة منها على فرق ، فأكثر افتراق أهل السنة في الفتيا ونبذ يسير من الاعتقادات ، وبقية الفرق الأربع منها من يخالف أهل السنة الخلاف البعيد ، ومنهم من يخالفهم الخلاف القريب ، فأقرب فرق المرجئة من قال : الإيمان إنما هو التصديق بالقلب واللسان معا فقط ، وأن الأعمال إنما هي فرائض الإيمان وشرائعه فقط ، وأبعدهم أصحاب جهم بن صفوان ومحمد بن كرام. وأقرب فرق المعتزلة أصحاب الحسين النجار وبشر بن غياث المريسيّ ، وأبعدهم أصحاب أبي الهذيل العلاف. وأقرب مذاهب الشيعة أصحاب الحسن بن صالح بن حيّ ، وأبعدهم الإمامية. وأما الغالية فليسوا بمسلمين ولكنهم أهل ردّة