الإسلام وأجلّ حفاظ أهل الملّة الإسلامية. وفريق يبدّعه ويضلله ويزري عليه بإثباته الصفات ، وينتقد عليه مسائل منها ما له فيه سلف ، ومنها ما زعموا أنه خرق فيه الإجماع ، ولم يكن له فيه سلف ، وكانت له ولهم خطوب كثيرة ، وحسابه وحسابهم على الله الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ، وله إلى وقتنا هذا عدّة أتباع بالشام وقليل بمصر.
هذا وبين الأشاعرة والماتريدية أتباع أبي منصور محمد بن محمد بن محمود الماتريديّ ، وهم طائفة الفقهاء الحنفية مقلد والإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت ، وصاحبيه أبي يوسف يعقوب بن إبراهيم الحضرميّ ، ومحمد بن الحسن الشيبانيّ رضياللهعنهم ، من الخلاف في العقائد ما هو مشهور في موضعه ، وهو إذ تتبع يبلغ بضع عشرة مسألة ، كان بسببها في أوّل الأمر تباين وتنافر ، وقدح كل منهم في عقيدة الآخر ، إلّا أن الأمر آل آخرا إلى الإغضاء ، ولله الحمد.
فهذا أعز الله بيان ما كانت عليه عقائد الأمّة من ابتداء الأمر إلى وقتنا هذا ، قد فصّلت فيه ما أجمله أهل الأخبار ، وأجملت ما فصلوا ، فدونك طالب العلم تناول ما قد بذلت فيه جهدي وأطلت بسببه سهري وكدّي في تصفح دواوين الإسلام وكتب الأخبار ، فقد وصل إليك صفوا ونلته عفوا بلا تكلف مشقة ولا بذل مجهول ، ولكن الله يمنّ على من يشاء من عباده.
أبو الحسن عليّ بن إسماعيل بن أبي بشر إسحاق بن سالم بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن بلال بن أبي بردة عامر بن أبي موسى ، واسمه عبد الله بن قيس «الأشعريّ» البصريّ ، ولد سنة ست وستين ومائتين ، وقيل سنة سبعين ، وتوفي ببغداد سنة بضع وثلاثين وثلاثمائة وقيل سنة أربع وعشرين وثلاثمائة ، سمع زكريا الساجي ، وأبا خليفة الجمحيّ ، وسهل بن نوح ، ومحمد بن يعقوب القمريّ ، وعبد الرحمن بن خلف الضبيّ المصريّ ، وروى عنهم في تفسيره كثيرا ، وتلمذ لزوج أمّه أبي عليّ محمد بن عبد الوهاب الجبائيّ ، واقتدى برأيه في الاعتزال عدّة سنين حتى صار من أئمة المعتزلة ، ثم رجع عن القول بخلق القرآن وغيره من آراء المعتزلة ، وصعد يوم الجمعة بجامع البصرة كرسيا ونادى بأعلى صوته ، من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا أعرّفه بنفسي ، أنا فلان بن فلان ، كنت أقول بخلق القرآن وأن الله لا يرى بالإبصار ، وأن أفعال الشرّ أنا أفعلها ، وأنا تائب مقلع معتقد الردّ على المعتزلة ، مبين لفضائحهم ومعايبهم ، وأخذ من حينئذ في الردّ عليهم ، وسلك بعض طريق أبي محمد عبد الله بن محمد بن سعيد بن كلاب القاطن ، وبنى على قواعده. وصنف خمسة وخمسين تصنيفا منها. كتاب اللمع ، وكتاب الموجز ، وكتاب إيضاح البرهان ، وكتاب التبيين على أصول الدين ، وكتاب الشرح والتفصيل في الردّ على