الدين ، ولا يزالون مختلفين إلّا من رحم ربك ، ولذلك خلقهم والله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون.
فصل : اعلم أن الله سبحانه طلب من الخلق معرفته بقوله تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات / ٥٦] قال ابن عباس وغيره يعرفون ، فخلق تعالى الخلق وتعرّف إليهم بألسنة الشرائع المنزلة ، فعرفه من عرفه ، سبحانه ، منهم على ما عرّفهم فيما تعرّف به إليهم ، وقد كان الناس قبل إنزال الشرائع الرسل عليهمالسلام ، علمهم بالله تعالى إنما هو بطريق التنزيه له عن سمات الحدوث ، وعن التركيب ، وعن الافتقار. ويصفونه سبحانه بالاقتدار المطلق ، وهذا التنزيه هو المشهور عقلا ، ولا يتعدّاه عقل أصلا ، فلما أنزل الله شريعته على رسوله محمد صلىاللهعليهوسلم ، وأكمل دينه ، كان سبيل العارف بالله أن يجمع في معرفته بالله بين معرفتين ، إحداهما المعرفة التي تقتضيها الأدلة العقلية ، والأخرى المعرفة التي جاءت بها الاخبارات الإلهية ، وأن يردّ علم ذلك إلى الله تعالى ، ويؤمن به وبكل ما جاءت به الشريعة على الوجه الذي أراده الله تعالى ، من غير تأويل بفكره ولا تحكم فيه برأيه ، وذلك أن الشرائع إنما أنزلها الله تعالى لعدم استقلال العقول البشرية بإدراك حقائق الأشياء على ما هي عليه في علم الله ، وأنّي لها ذلك وقد تقيدت بما عندها من إطلاق ما هنالك ، فإن وهبها علما بمراده من الأوضاع الشرعية ، ومنحها الاطلاع على حكمه في ذلك ، كان من فضله تعالى ، فلا يضيف العارف هذه المنة إلى فكره ، فإن تنزيهه لربه تعالى بفكره ويجب أن يكون مطابقا لما أنزله سبحانه على لسان رسوله صلىاللهعليهوسلم من الكتاب والسنة ، وإلّا فهو تعالى منزه عن تنزيه عقول البشر بأفكارها ، فإنها مقيدة بأوطارها ، فتنزيهها كذلك مقيد بحسبها وبموجب أحكامها وآثارها ، إلّا إذا خلت عن الهوى فإنها حينئذ يكشف الله لها الغطاء عن بصائرها ، ويهديها إلى الحق ، فتنزه الله تعالى عن التنزيهات العرفية بالأفكار العادية ، وقد أجمع المسلمون قاطبة على جواز رواية الأحاديث الواردة في الصفات ونقلها وتبليغها من غير خلاف بينهم في ذلك ، ثم أجمع أهل الحق منهم على أن هذه الأحاديث مصروفة عن احتمال مشابهة الخلق ، لقول الله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشورى / ١١] ولقول الله تعالى : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ اللهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) [الاخلاص / ٢] وهذه السورة يقال لها سورة الاخلاص ، وقد عظم رسول الله صلىاللهعليهوسلم شأنها ، ورغّب أمته في تلاوتها ، حتى جعلها تعدل ثلث القرآن من أجل أنها شاهدة بتنزيه الله تعالى ، وعدم الشبه والمثل له سبحانه ، وسميت سورة الإخلاص لاشتمالها على إخلاص التوحيد لله عن أن يشوبه ميل إلى تشبيهه بالخلق ، وأمّا الكاف التي في قوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى / ١١] فإنها زائدة ، وقد تقرّر أن الكاف والمثل في كلام العرب اتيا للتشبيه ، فجمعهما الله تعالى ثم نفى بهما عنه ذلك ، فإذا ثبت إجماع المسلمين على جواز رواية هذه الأحاديث ونقلها ، مع إجماعهم على أنها مصروفة عن