التشبيه ، لم يبق في تعظيم الله تعالى بذكرها إلّا نفي التعطيل ، لكون أعداء المرسلين سموا ربهم سبحانه أسماء نفوا فيها صفاته العلا ، فقال قوم من الكفار هو طبيعة ، وقال آخرون منهم هو علة ، إلى غير ذلك من إلحادهم في أسمائه سبحانه ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم هذه الأحاديث المشتملة على ذكر صفات الله العلا ، ونقلها عنه أصحابه البررة ، ثم نقلها عنهم أئمة المسلمين حتى انتهت إلينا ، وكلّ منهم يرويها بصفتها من غير تأويل لشيء منها ، مع علمنا أنهم كانوا يعتقدون أن الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، ففهمنا من ذلك أن الله تعالى أراد بما نطق به رسوله صلىاللهعليهوسلم من هذه الأحاديث ، وتناولها عنه الصحابة رضياللهعنهم وبلغوها لأمّته ، أن يغص بها في حلوق الكافرين ، وأن يكون ذكرها نكتا في قلب كلّ ضال معطل مبتدع يقفو أثر المبتدعة من أهل الطبائع وعباد العلل ، فلذلك وصف الله تعالى نفسه الكريمة بها في كتابه ، ووصفه رسول الله صلىاللهعليهوسلم أيضا بما صح عنه وثبت ، فدل على أن المؤمن إذا اعتقد أن الله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، وأنه أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، كان ذكره لهذه الأحاديث تمكين الإثبات ، وشجا في حلوق المعطلة ، وقد قال الشافعيّ : رحمهالله «الإثبات أمكن» نقله الخطابيّ ولم يبلغنا عن أحد من الصحابة والتابعين وتابعيهم أنهم أوّلوا هذه الأحاديث ، والذي يمنع من تأويلها إجلال الله تعالى عن أن تضرب له الأمثال ، وأنه إذا نزل القرآن بصفة من صفات الله تعالى ، كقوله سبحانه : (يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) [الفتح / ١٠] فإن نفس تلاوة هذا يفهم منها السامع المعنى المراد به ، وكذا قوله تعالى : (بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ) [المائدة / ٦٤] عند حكايته تعالى عن اليهود نسبتهم إياه إلى البخل فقال تعالى : (بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ) [المائدة / ٦٤] فإن نفس تلاوة هذا مبينة للمعنى المقصود ، وأيضا فإن تأويل هذه الأحاديث يحتاج أن يضرب لله تعالى فيها المثل نحو قولهم في قوله تعالى : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) [طه / ٥] الاستواء الاستيلاء ، كقولك استوى الأمير على البلد ، وأنشدوا :
قد استوى بشر على العراق
فلزمهم تشبيه الباري تعالى ببشر ، وأهل الإثبات نزهو إجلال الله عن أن يشبهوه بالأجسام حقيقة ولا مجازا ، وعلموا مع ذلك أن هذا النطق يشتمل على كلمات متداولة بين الخالق وخلقه ، وتحرّجوا أن يقولوا مشتركة ، لأن الله تعالى لا شريك له ، ولذلك : لم يتأول السلف شيئا من أحاديث الصفات ، مع علمنا قطعا أنها عندهم مصروفة عما يسبق إليه ظنون الجهال من مشابهتها الصفات المخلوقين ، وتأمّل تجد الله تعالى لمّا ذكر المخلوقات المتولدة من الذكر والأنثى في قوله سبحانه : (جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً) [الشورى / ١١] يذرؤكم فيه علم سبحانه ما يخطر بقلوب الخلق ، فقال عز من قائل : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشورى : ١١].