ولما كان في سنة اثنتي عشرة وثمانمائة ، أخذ الملك الناصر فرج بن برقوق عمد الرخام التي كانت بهذه المدرسة ، وكانت كثيرة العدد جليلة القدر ، وعمل بدلها دعائم تحمل السقوف إلى أن كانت أيام الملك المؤيد الشيخ ، وولي الأمير تاج الدين الشوبكيّ الدمشقي ولاية القاهرة ومصر وحسبة البلدين وشدّ العمائر السلطانية ، فهدم هذه المدرسة في أخريات سنة سبع عشرة وأوائل سنة ثماني عشرة وثمانمائة ، وكانت من أجلّ مدارس الدنيا وأعظم مدرسة بمصر ، يتنافس الناس من طلبة العلم في النزول بها ويتشاحنون في سكنى بيوتها ، حتى يصير البيت الواحد من بيوتها يسكن فيه الاثنان من طلبة العلم والثلاثة ، ثم تلاشى أمرها حتى هدمت وسيجهل عن قريب موضعها ، ولله عاقبة الأمور.
المدرسة الصاحبية
هذه المدرسة بالقاهرة في سويقة الصاحب ، كان موضعها من جملة دار الوزير يعقوب بن كلس ، ومن جملة دار الديباج ، أنشأها الصاحب صفيّ الدين عبد الله بن عليّ بن شكر ، وجعلها وقفا على المالكية ، وبها درس نحو وخزانة كتب ، وما زالت بيد أولاده.
فلما كان في شعبان سنة ثمان وخمسين وسبعمائة ، جدّد عمارتها القاضي علم الدين إبراهيم بن عبد اللطيف بن إبراهيم المعروف بابن الزبير ، ناظر الدولة في أيام الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاون ، واستجدّ فيها منبرا فصار يصلّى بها الجمعة إلى يومنا هذا ، ولم يكن قبل ذلك بها منبر ولا تصلّى فيها الجمعة.
عبد الله بن عليّ بن الحسين بن عبد الخالق بن الحسين بن الحسن بن منصور بن إبراهيم بن عمار بن منصور بن عليّ صفيّ الدين أبو محمد الشنيبيّ الدميريّ المالكيّ ، المعروف بابن شكر ، ولد بناحية دميرة إحدى قرى مصر البحرية في تاسع صفر سنة ثمان وأربعين وخمسمائة ، ومات أبوه فتزوّجت أمّه بالقاضي الوزير الأعز فخر الدين مقدام ابن القاضي الأجل أبي العباس أحمد بن شكر المالكيّ ، فرباه ونوّه باسمه لأنه كان ابن عمه ، فعرف به وقيل له ابن شكر ، وسمع صفيّ الدين من الفقيه أبي الظاهر إسماعيل بن مكيّ بن عوف ، وأبي الطيب عبد المنعم بن يحيى وغيره ، وحدّث بالقاهرة ودمشق ، وتفقه على مذهب مالك ، وبرع فيه ، وصنف كتابا في الفقه كان كلّ من حفظه نال منه خطأ وافرا ، وقصد بذلك أن يتشبه بالوزير عون الدين بن هبيرة ، كانت بداية أمره أنه لما سلّم السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب أمر الأسطول لأخيه الملك العادل أبي بكر بن أيوب ، وأفرد له من الأبواب الديوانية الزكاة بمصر والجبس الجيوشي بالبرّين والنطرون والخراج وما معه من ثمن القرظ وساحل السنط والمراكب الديوانية واسنا وطنبدى ، استخدم العادل في مباشرة ديوان هذه المعاملة الصفيّ بن شكر هذا ، وكان ذلك في سنة سبع وثمانين وخمسمائة ، ومن حينئذ اشتهر ذكره وتخصص بالملك العادل ، فلما استقل بمملكة مصر في