بالقاهرة ، فبلغ العادل حضوره ، فخرج إليه. فقال له الفقيه : اعلم والله أني لا حاللتك ولا أبرأتك ، أنت تتقدّمني إلى الله في هذه المدّة ، وأنا بعدك أطالبك بين يدي الله تعالى. وتركه وعاد إلى مكانه ، فحضر الشريف فخر الدين بن ثعلب إلى الملك العادل فوجده متألما حزينا ، فسأله ، فعرّفه. فقال : يا مولانا ولم تجرّد السم في نفسك؟ فقال : خذ كل ما وقعت الحوطة عليه وكلّ ما استخرج من أجرة أملاكه وطيب خاطره ، وأما الفقيه ضياء الدين فإنه أصبح وحضرت إليه جماعة من الطلبة للقراءة عليه. فقال لهم : رأيت البارحة النبيّ صلىاللهعليهوسلم وهو يقول : يكون فرجك على يد رجل من أهل بيتي صحيح النسب ، فبينما هم في الحديث وإذا بغبرة ثارت من جهة القرافة ، فانكشفت عن الشريف ابن ثعلب ومعه الموجود كله ، فلما حضر عرّفه الجماعة المنام ، فقال : يا سيدي اشهد على أن جميع ما أملكه وقف وصدقة ، شكرا لهذه الرؤيا. وخرج عن كل ما يملكه ، وكان من جملة ذلك المدرسة الشريفية لأنها كانت مسكنه ووقف عليها أملاكه ، وكذلك فعل في غيرها ، ولم يحالل الفقيه الملك العادل ، ومات الملك العادل بعد ذلك ، ومات الفقيه بعده بمدّة ، ومات الشريف إسماعيل بن ثعلب بالقاهرة في سابع عشر رجب سنة ثلاث عشرة وستمائة.
المدرسة الصالحية
هذه المدرسة بخط بين القصرين من القاهرة ، كان موضعها من جملة القصر الكبير الشرقيّ ، فبنى فيه الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب هاتين المدرستين ، فابتدأ بهدم موضع هذه المدارس في قطعة من القصر في ثالث عشر ذي الحجة سنة تسع وثلاثين وستمائة ، ودك أساس المدارس في رابع عشر ربيع الآخر سنة أربعين ، ورتب فيها دروسا أربعة للفقهاء المنتمين إلى المذاهب الأربعة في سنة إحدى وأربعين وستمائة ، وهو أوّل من عمل بديار مصر دروسا أربعة في مكان ، ودخل في هذه المدارس باب القصر المعروف بباب الزهومة ، وموضعه قاعة شيخ الحنابلة الآن ، ثم اختط ما وارء هذه المدارس في سنة بضع وخمسين وستمائة ، وجعل حكر ذلك للمدرسة الصالحية ، وأوّل من درّس بها من الحنابلة قاضي القضاة شمس الدين أبو بكر محمد بن العماد إبراهيم بن عبد الواحد بن عليّ بن سرور المقدسيّ الحنبليّ الصالحيّ ، وفي يوم السبت ثالث عشري شوّال سنة ثمان وأربعين وستمائة ، أقام الملك المعز عز الدين أيبك التركمانيّ الأمير علاء الدين أيدكين البندقداريّ الصالحيّ في نيابة السلطنة بديار مصر ، فواظب الجلوس بالمدارس الصالحية هذه مع نوّاب دار العدل ، وانتصب لكشف المظالم ، واستمرّ جلوسه بها مدّة. ثم إن الملك السعيد ناصر الدين محمد بركة خان ابن الملك الظاهر بيبرس ، وقف الصاغة التي تجاهها ، وأماكن بالقاهرة وبمدينة المحلة الغربية ، وقطع أراضي جزائر بالأعمال الجيزية والأطفيحية على مدرسين أربعة ، عند كل مدرّس معيدان وعدّة طلبة. وما يحتاج إليه من أئمة ومؤذنين وقومة وغير ذلك ، وثبت وقف ذلك على يد