قاضي القضاة تقيّ الدين محمد بن الحسين بن رزين الشافعيّ ، ونفذه قاضي القضاة شمس الدين أبو البركات محمد بن هبة الله بن شكر المالكيّ ، وذلك في سنة سبع وسبعين وستمائة ، وهي جارية في وقفها إلى اليوم. فلما كان في يوم الجمعة حادي عشري ربيع الأوّل سنة ثلاثين وسبعمائة ، رتب الأمير جمال الدين أقوش المعروف بنائب الكرك جمال الدين الغزاويّ خطيبا بإيوان الشافعية من هذه المدرسة ، وجعل له في كل شهر خمسين درهما ، ووقف عليه وعلى مؤذنين وقفا جاريا ، فاستمرّت الخطبة هناك إلى يومنا هذا.
قبة الصالح : هذه القبة بجوار المدرسة الصالحية ، كان موضعها قاعة شيخ المالكية ، بنتها عصمة الدين والدة خليل شجرة الدر ، لأجل مولاها الملك الصالح نجم الدين أيوب عندما مات ، وهو على مقاتلة الفرنج بناحية المنصورة ، في ليلة النصف من شعبان سنة سبع وأربعين وستمائة ، فكتمت زوجته شجرة الدر موته خوفا من الفرنج ولم تعلم بذلك أحدا سوى الأمير فخر الدين بن يوسف بن شيخ الشيوخ ، والطواشي جمال الدين محسن فقط ، فكتما موته عن كلّ أحد ، وبقيت أمور الدولة على حالها ، وشجرة الدرّ تخرج المناشير والتواقيع والكتب وعليها علامة بخط خادم يقال له سهيل ، فلا يشك أحد في أنه خط السلطان ، وأشاعت أن السلطان مستمرّ المرض ولا يمكن الوصول إليه ، فلم يجسر أحد أن يتفوّه بموت السلطان إلى أن أنفذت إلى حصن كيفا وأحضرت الملك المعظم توران شاه بن الصالح ، وأما الملك الصالح فإن شجرة الدرّ أحضرته في حراقة من المنصورة إلى قلعة الروضة تجاه مدينة مصر من غير أن يشعر به أحد إلّا من أيتمنته على ذلك ، فوضع في قاعة من قاعات قلعة الروضة إلى يوم الجمعة السابع والعشرين من شهر رجب سنة ثمان وأربعين وستمائة ، فنقل إلى هذه القبة بعد ما كانت شجرة الدرّ قد عمرتها على ما هي عليه ، وخلعت نفسها من سلطنة مصر ونزلت عنها لزوجها عز الدين أيبك قبل نقله ، فنقله الملك المعز أيبك ونزل ومعه الملك الأشرف موسى ابن الملك المسعود وسائر المماليك البحرية والجمدارية والأمراء من قلعة الجبل إلى قلعة الروضة ، وأخرج الملك الصالح في تابوت وصلّى عليه بعد صلاة الجمعة ، وسائر الأمراء وأهل الدولة قد لبسوا البياض حزنا عليه ، وقطع المماليك شعور رؤوسهم وساروا به إلى هذه الدولة قد لبسوا البياض حزنا عليه ، السلطانان ونزلا إلى القبة ، وحضر القضاة وسائر المماليك وأهل الدولة وكافة الناس وغلقت الأسواق بالقاهرة ومصر ، وعمل عزاء للملك الصالح بين القصرين بالدفوف مدّة ثلاثة أيام ، آخرها يوم الاثنين. ووضع عند القبر سناجق السلطان وبقجته وتركاشه وقوسه ، ورتب عنده القرّاء على ما شرطت شجرة الدرّ في كتاب وقفها ، وجعلت النظر فيها للصاحب بهاء الدين عليّ بن حنا وذريته ، وهي بيدهم إلى اليوم ، وما أحسن قول الأديب جمال الدين أبي المظفر عبد الرحمن بن أبي سعيد محمد بن محمد بن عمر بن أبي القاسم بن تخمش الواسطيّ ، المعروف بابن السنيرة الشاعر ، لما مرّ هو والأمير نور الدين تكريت بالقاهرة بين