الدين سنجر الشجاعيّ لهدم أسوارها وتخريب كنائسها ، فوجد هذه البوّابة على باب كنيسة من كنائس عكا ، وهي من رخام ، قواعدها وأعضادها وعمدها ، كل ذلك متصل بعضه ببعض ، فحمل الجميع إلى القاهرة وأقام عنده إلى أن قتل الملك الأشرف ، وتمادى الحال على هذا أيام سلطنة الملك الناصر محمد الأولى ، فلما خلع وتملك كتبغا ، أخذ دار الأمير سيف الدين بلبان الرشيديّ ليعملها مدرسة ، فدل على هذه البوّابة فأخذها من ورثة الأمير بيدرا ، فإنها كانت قد انتقلت إليه ، وعملها كتبغا على باب هذه المدرسة. فلما خلع من الملك وأقيم الناصر محمد ، اشترى هذه المدرسة قبل إتمامها والإشهاد بوقفها ، وولى شراءها وصيه قاضي القضاة زين الدين عليّ بن مخلوف المالكيّ ، وأنشأ بجوار هذه المدرسة من داخل بابها قبة جليلة ، لكنها دون قبة أبيه ، ولما كملت نقل إليها أمّه بنت سكباي بن قراجين ، ووقف على هذه المدرسة قيسارية أمير على بخط الشرابشيين من القاهرة ، والربع الذي يعلوها ، وكان يعرف بالدهيشة ، ووقف عليها أيضا حوانيت بخط باب الزهومة من القاهرة ، ودار الطعم خارج مدينة دمشق ، فلما مات ابنه انوك من الخاتون طغاي في يوم الجمعة سابع عشر ربيع الأوّل سنة إحدى وأربعين وسبعمائة ، وعمره ثماني عشرة سنة ، دفنه بهذه القبة وعمل عليها وقفا يختص بها ، وهو باق إلى اليوم يصرف لقرّاء وغير ذلك.
وأوّل من رتّب في تدريس المدرسة الناصرية من المدرّسين ، قاضي القضاة زين الدين عليّ بن مخلوف المالكيّ ، ليدرّس فقه المالكية بالإيوان الكبير القبلي ، وقاضي القضاة شرف الدين عبد الغنيّ الحرّانيّ ، ليدرّس فقه الحنابلة بالإيوان الغربيّ ، وقاضي القضاة أحمد بن السروجيّ الحنفيّ ، ليدرّس فقه الحنفية بالإيوان الشرقيّ ، والشيخ صدر الدين محمد بن المرحل المعروف بابن الوكيل الشافعيّ ، ليدرّس فقه الشافعية بالإيوان البحريّ. وقرّر عند كلّ مدرّس منهم عدّة من الطلبة ، وأجرى عليهم المعاليم ، ورتب بها إماما يؤمّ بالناس في الصلوات الخمس ، وجعل بها خزانة كتب جليلة ، وأدركت هذه المدرسة وهي محترمة إلى الغاية ، يجلس بدهليزها عدّة من الطواشية ، ولا يمكن غريب أن يصعد إليها ، وكان يفرّق بها على الطلبة والقرّاء وسائر أرباب الوظائف بها السكّر في كلّ شهر ، لكل أحد منهم نصيب ، ويفرّق عليهم لحوم الأضاحي في كلّ سنة ، وقد بطل ذلك وذهب ما كان لها من الناموس ، وهي اليوم عامرة من أجلّ المدارس.
المدرسة الحجازية
هذه المدرسة برحبة باب العيد من القاهرة ، بجوار قصر الحجازية ، كان موضعها بابا من أبواب القصر يعرف بباب الزمرّذ ، أنشأتها الست الجليلة الكبرى خوند تتر الحجازية ، ابنة السلطان الملك الناصر محمد بن قلاون ، زوجة الأمير بكتمر الحجازيّ ، وبه عرفت. وجعلت بهذه المدرسة درسا للفقهاء الشافعية ، قرّرت فيه شيخنا شيخ الإسلام سراج الدين