جلس في مرتبة النيابة ، فتقدّم إلى طفجي وقبل يده ، فقام إليه وأجلسه بجانبه ، وقام الأمراء في أمر منكوتمر يشفعون فيه ، فأمر به إلى الجب وأنزلوه فيه ، وعندما استقرّ به أدليت له القفة التي نزل فيها ، وتصايحوا عليه بالصعود فطلع عليهم ، وإذا كرجي قد وقف على رأس الجبّ في عدّة من المماليك السلطانية ، فأخذ يسب منكوتمر ويهينه وضربه بلت ألقاه ، وذبحه بيده على الجبّ وتركه وانصرف ، فكان بين قتل أستاذه وقتله ساعة من الليل ، وذلك في ليلة الجمعة عاشر ربيع الأوّل سنة ثمان وتسعين.
المدرسة القراسنقرية
هذه المدرسة تجاه خانقاه الصلاح سعيد السعداء ، فيما بين رحبة باب العيد وباب النصر ، كان موضعها وموضع الربع الذي بجانبها الغربيّ مع خانقاه بيبرس ، وما في صفها إلى حمام الأعسر وباب الجوّانية ، كلّ ذلك من دار الوزارة الكبرى التي تقدّم ذكرها ، أنشأها الأمير شمس الدين قراسنقر المنصوريّ نائب السلطنة ، سنة سبعمائة. وبنى بجوار بابها مسجدا معلقا ومكتبا لإقراء أيتام المسلمين كتاب الله العزيز ، وجعل بهذه المدرسة درسا للفقهاء ، ووقف على ذلك داره التي بحارة بهاء الدين وغيرها ، ولم يزل نظر هذه المدرسة بيد ذرّية الواقف إلى سنة خمس عشرة وثمانمائة ، ثم انقرضوا. وهي من المدارس المليحة ، وكنا نعهد البريدية إذا قدموا من الشام وغيرها لا ينزلون إلّا في هذه المدرسة حتى يتهيأ سفرهم ، وقد بطل ذلك من سنة تسعين وسبعمائة.
قراسنقر بن عبد الله : الأمير شمس الدين الجوكندار المنصوريّ ، صار إلى الملك المنصور قلاون وترقى في خدمته إلى أن ولاه نيابة السلطنة بحلب في شعبان سنة اثنتين وثمانين وستمائة ، عوضا عن الأمير علم الدين سنجر الباشقرديّ ، فلم يزل فيها إلى أن مات الملك المنصور وقام من بعده ابنه الملك الأشرف خليل بن قلاون ، فلما توجه الأشرف إلى فتح قلعة الروم عاد بعد فتحها إلى حلب وعزل قراسنقر عن نيابتها ، وولى عوضه الأمير سيف الدين بلبان الطناحيّ ، وذلك في أوائل شعبان سنة إحدى وتسعين ، وكانت ولايته على حلب تسع سنين. فلما خرج السلطان من مدينة حلب خرج في خدمته وتوجه مع الأمير بدر الدين بيدرا نائب السلطنة بديار مصر في عدّة من الأمراء لقتال أهل جبال كسروان ، فلما عاد سار مع السلطان من دمشق إلى القاهرة ولم يزل بها إلى أن ثار الأمير بيدرا على الأشرف ، فتوجه معه وأعان على قتله ، فلما قتل بيدرا فرّ قراسنقر ولاجين في نصف المحرّم سنة ثلاث وتسعين وستمائة. واختفيا بالقاهرة إلى أن استقرّ الأمر للملك الناصر محمد بن قلاون ، وقام في نيابة السلطنة وتدبير الدولة الأمير زين الدين كتبغا ، فظهرا في يوم عيد الفطر وكانا عند فرارهما يوم قتل بيدرا أطلعا الأمير بيحاص الزينيّ مملوك الأمير كتبغا نائب السلطنة على حالهما ، فأعلم استاذه بأمرهما وتلطف به حتى تحدّث في شأنهما مع السلطان ، فعفا عنهما ،