الأمراء في كل يوم يحضرون معه في باب القلة ، ويجلس في مجلس النيابة والأمراء عن يمينه وشماله ، ويمدّ سماط السلطان بين يديه ، فلما حضر أمير سلاح بمن معه من الأمراء ، نزل طفجي والأمراء إلى لقائهم بعد ما امتنع امتناعا كثيرا ، وترك كرجي يحفظ القلعة بمن معه من المماليك الأشرفية ، وقد نوى طفجي الشرّ للأمراء الذين قد خرج إلى لقائهم ، وعرف ذلك الأمراء المقيمون عنده في القلعة ، فاستعدّوا له. وسار هو والأمراء إلى أن لقوا الأمير بكتاش ومعه من الأشرفية أربعمائة فارس تحفظه حتى يعود من اللقاء إلى القلعة ، فعندما وافاه بقبة النصر وتعانقا أعلمه بقتل السلطان ، فشقّ عليه ، وللوقت جرّد الأمراء سيوفهم وارتفعت الضجة ، فساق طفجي من الحلقة والأمراء وراءه إلى أن أدركه قراقوش الظاهريّ وضربه بسيف ألقاه عن فرسه إلى الأرض ميتا ، ففرّ كرجي ، ثم أخذ وقتل وحمل طفجي في مزبلة من مزابل الحمّامات على حمار إلى مدرسته هذه فدفن بها ، وقبره هناك إلى اليوم. وكان قتله في يوم الخميس سادس عشر ربيع الأوّل سنة ثمان وتسعين وستمائة ، بعد خمسة أيام من قتل لاجين ومنكوتمر.
المدرسة الجاولية
هذه المدرسة بجوار الكبش ، فيما بين القاهرة ومصر ، أنشأها الأمير علم الدين سنجر الجاوليّ في سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة ، وعمل بها درسا وصوفية ، ولها إلى هذه الأيام عدّة أوقاف.
سنجر بن عبد الله الأمير علم الدين الجاوليّ ، كان مملوك جاولي أحد أمراء الملك الظاهر بيبرس ، وانتقل بعد موت الأمير جاولي إلى بيت قلاون ، وخرج في أيام الأشرف خليل بن قلاون إلى الكرك ، واستقرّ في جملة البحرية بها إلى أيام العادل كتبغا ، فحضر من عند نائب الكرك ومعه حوائجخاناه ، فرفعه كتبغا وأقامه على الخوشخاناه السلطانية ، وصحب الأمير سلار وواخاه فتقدّم في الخدمة ، وبقي أستادارا صغيرا في أيام بيبرس وسلار ، فصار يدخل على السلطان الملك الناصر ويخرج ويراعي مصالحه في أمر الطعام ويتقرّب إليه ، فلما حضر من الكرك جهزه إلى غزة نائبا في جمادى الأولى سنة إحدى عشرة وسبعمائة ، عوضا عن الأمير سيف الدين قطلوا أقتمر عبد الخالق بعد إمساكه ، وأضاف إليه مع غزة الساحل والقدس وبلد الخليل وجبل نابلس ، وأعطاه إقطاعا كبيرا بحيث كان للواحد من مماليكه إقطاع يعمل عشرين ألفا وخمسة وعشرين ألفا ، وعمل نيابة غزة على القالب الجائر إلى أن وقعت بينه وبين الأمير تنكز نائب الشام بسبب دار كانت له تجاه جامع تنكز خارج دمشق من شمالها ، أراد تنكز أن يبتاعها منه فأبى عليه ، فكتب فيه إلى الملك الناصر محمد بن قلاون فأمسكه في ثامن عشري شعبان سنة عشرين وسبعمائة ، واعتقله نحوا من ثمان سنين ، ثم أفرج عنه في سنة تسع وعشرين ، وأعطاه أمرة أربعين ، ثم بعد مدّة أعطاه