والخيول ، والاستكثار من الخول والحواشي ، حتى لم يكن أحد يضاهيه في شيء من أحواله ، إلى أن تنازع الأميران حكم وسودون طاز مع الأمير يشبك ، فكان هو المتولي كبر تلك الحروب ، ثم إنه خرج من القاهرة مغاضبا لأمراء الدولة ، وصار إلى ناحية تروجة يريد جمع العربان ومحاربة الدولة ، فلم يتم له ذلك. وعاد فدخل القاهرة على حين غفلة ، فنزل عند جمال الدين يوسف الأستادار ، فقام بإصلاح أمره مع الأمراء حتى حصل له الغرض ، فظهر واستولى على ما كان عليه إلى أن تنكرت رجال الدولة على الملك الناصر فرج ، فقام مع الأمير يشبك بحرب السلطان إلى أن انهزم الأمير يشبك بأصحابه إلى الشام ، فخرج معه في سنة تسع وثمانمائة ، وأمدّه ومن معه بالأموال العظيمة حتى صاروا عند الأمير شيخ نائب الشام ، واستفز العساكر لقتال الملك الناصر وحرّضهم على المسير إلى حربه ، وخرج من دمشق مع العساكر يريد القاهرة ، وكان من وقعة السعيدية ما كان على ما هو مذكور في خبر الملك الناصر عند ذكر الخانقاه الناصرية من هذا الكتاب ، فاختفى الأمير يشبك وطائفة من الأمراء بالقاهرة ، ولحق ابن غراب بالأمير اينال پاي بن قجماس ، وهو يومئذ أكبر الأمراء الناصرية ، وملأ عينه بالمال ، فتوسط له مع الملك الناصر حتى أمنه وأصبح في داره وجميع الناس على بابه ، ثم تقلد وظيفة نظر الجيوش واختص بالسلطان ، وما زال به حتى استرضاه على الأمير يشبك ومن معه من الأمراء ، وظهروا من الاستتار وصاروا بقلعة الجبل ، فخلع عليهم السلطان وأمّرهم وصاروا إلى دورهم ، فثقل على ابن غراب مكان فتح الدين فتح الله كاتب السرّ ، فسعى به حتى قبض عليه وولي مكانه كتابة السرّ ليتمكن من أغراضه. فلما استقرّ في كتابة السرّ أخذ في نقض دولة الناصر إلى أن تم له مراده ، وصارت الدولة كلها على الناصر ، فخلا به وخيل له وحسّن له الفرار ، فانقاد له وترامى عليه ، فأعدّ له رجلين أحدهما من مماليكه ومعهما فرسان ، ووقفا بهما وراء القلعة ، وخرج الناصر وقت القائلة ومعه مملوك من مماليكه يقال له بيغوت ، وركبا الفرسين وسارا إلى ناحية طرا ، ثم عادا مع قاصدي ابن غراب في مركب من المراكب النيلية ليلا إلى دار ابن غراب ونزلا عنده ، وقد خفي ذلك على جميع أهل الدولة ، وقام ابن غراب بتولية عبد العزيز بن برقوق وأجلسه على تخت الملك عشاء ، ولقبه بالملك المنصور ، ودبر الدولة كما أحب مدّة سبعين يوما إلى أن أحس من الأمراء بتغير ، فأخرج الناصر ليلا وجمع عليه عدّة من الأمراء والمماليك وركب معه بلامة الحرب إلى القلعة ، فلم يلبث أصحاب المنصور وانهزموا ودخل الناصر إلى القلعة واستولى على المملكة ثانيا ، فألقى مقاليد الدولة إلى ابن غراب وفوّض إليه ما وراء سريره ونظمه في خاصته ، وجعله من أكابر الأمراء وناط به جميع الأمور ، فأصبح مولى نعمة كلّ من السلطان والأمراء ، يمنّ عليهم بأنه أبقى لهم مهجهم ، وأعاد إليهم سائر ما كانوا قد سلبوه من ملكهم ، وأمدّهم بما له وقت حاجتهم وفاقتهم إليه ، ويفخر ويتكثر بأنه أقام دولة وأزال دولة ، ثم أزال ما أقام وأقام ما أزال من غير حاجة ولا ضرورة ألجأته إلى شيء من