القاهرة وسكنها الخلفاء ، اتخذوا بها تربة عرفت بتربة الزعفران ، قبروا فيها أمواتهم ، ودفن رعيتهم من مات منهم في القرافة إلى أن اختطت الحارات خارج باب زويلة ، فقبر سكانها موتاهم خارج باب زويلة مما يلي الجامع ، فيما بين جامع الصالح وقلعة الجبل ، وكثرت المقابر بها عند حدوث الشدّة العظمى أيام الخليفة المستنصر ، ثم لما مات أمير الجيوش بدر الجماليّ دفن خارج باب النصر ، فاتخذ الناس هنالك مقابر موتاهم ، وكثرت مقابر أهل الحسينية في هذه الجهة ، ثم دفن الناس الأموات خارج القاهرة في الموضع الذي عرف بميدان القبق ، فيما بين قلعة الجبل وقبة النصر ، وبنوا هناك الترب الجليلة ، ودفن الناس أيضا خارج القاهرة فيما بين باب الفتوح والخندق ، ولكل مقبرة من هذه المقابر أخبار سوف أقص عليك من أنبائها ما انتهت إلى معرفته قدرتي إن شاء الله تعالى. ويذكر أهل العناية بالأمور المتقادمة أن الناس في الدهر الأوّل لم يكونوا يدفنون موتاهم إلى أن كان زمن دوناي الذي يدعى سيد البشر لكثرة ما علّم الناس من المنافع ، فشكا إليه أهل زمانه ما يأتذون به من خبث موتاهم ، فأمرهم أن يدفنوهم في خوابي ويسدّوا رؤسها ، ففعلوا ذلك ، فكان دوناي أوّل من دفن الموتى ، وذكر أن دوناي هذا كان قبل آدم بدهر طويل مبلغه عشرون ألف سنة ، وهي دعوى لا تصح ، وفي القرآن الكريم ما يقتضي أن قابيل ابن آدم أوّل من دفن الموتى ، والله أصدق القائلين. وقد قال الشافعيّ رحمهالله : وأكره أن يعظّم مخلوق حتى يجعل قبره مسجدا مخافة الفتنة عليه وعلى من بعده.
ذكر القرافة
روى الترمذيّ من حديث أبي طيبة عبد الله بن مسلم ، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه رفعه : من مات من أصحابي بأرض بعث قائدا ونورا لهم يوم القيامة. قال : وهذا حديث غريب. وقد روي عن أبي طيبة ، عن ابن بريدة مرسلا ، وهذا أصح ، قال أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم في كتاب فتوح مصر : حدّثنا عبد الله بن صالح ، حدّثنا الليث ابن سعد قال : سأل المقوقس عمرو بن العاص أن يبيعه سفح المقطم بسبعين ألف دينار ، فعجب عمرو من ذلك وقال : أكتب في ذلك إلى أمير المؤمنين ، فكتب بذلك إلى عمر رضياللهعنه ، فكتب إليه عمر سله لم أعطاك به ما أعطاك وهي لا تزدرع ولا يستنبط بها ماء. ولا ينتفع بها. فسأله فقال : إنا لنجد صفتها في الكتب أنّ فيها غراس الجنة ، فكتب بذلك إلى عمر رضياللهعنه ، فكتب إليه عمر إنّا لا نعلم غراس الجنة إلّا المؤمنين ، فأقبر فيها من مات قبلك من المسلمين ولا تبعه بشيء. فكان أوّل من دفن فيها رجل من المغافر يقال له عامر ، فقيل عمرت. فقال المقوقس لعمرو : وما ذلك ، ولا على هذا عاهدتنا ، فقطع لهم الحدّ الذي بين المقبرة وبينهم.
وعن ابن لهيعة أن المقوقس قال لعمرو : إنا لنجد في كتابنا أن ما بين هذا الجبل