ناسوته لا من جهة لاهوته ، وأن مريم حملت بالمسيح وولدته من جهة ناسوته ، وهذا قول النسطورية ، ثم يقولون أن المسيح بكماله إله معبود ، وأنه ابن الله ، تعالى الله عن قولهم ، وزعم قوم أنّ الاتحاد وقع بين جوهرين لاهوتيّ وناسوتيّ ، فالجوهر اللاهوتيّ بسيط غير منقسم ولا متجزئ ، وزعم قوم أن الاتحاد على جهة حلول الابن في الجسد ومخالطته إياه ، ومنهم من زعم أن الاتحاد على جهة الظهور ، كظهور كتابة الخاتم والنقش إذا وقع على طين أو شمع ، وكظهور صورة الإنسان في المرآة ، إلى غير ذلك من الاختلاف الذي لا يوجد مثله في غيرهم ، حتى لا تكاد تجد اثنين منهم على قول واحد.
والملكانية تنسب إلى ملك الروم ، وهم يقولون أنّ الله اسم لثلاثة معان ، فهو واحد ثلاثة وثلاثة واحد. واليعقوبية تقول أنه واحد قديم ، وأنه كان لا جسم ولا إنسان ، ثم تجسم وتأنس. والمرقولية قالوا الله واحد وعلمه غيره قديم معه ، والمسيح ابنه على جهة الرحمة ، كما يقال إبراهيم خليل الله ، والمرقولية تزعم أن المسيح يطوف عليهم كل يوم وليلة ، والبوزغانية تزعم أن المسيح هو الذي يحشر الموتى من قبورهم ويحاسبهم.
وعندهم لا بدّ من تنصير أولادهم ، وذلك أنهم يغمسون المولود في ماء قد أغلي بالرياحين وألوان الطيب في إجانة جديدة ، ويقرءون عليه من كتابهم ، فيزعمون أنه حينئذ ينزل عليه روح القدس ، ويسمون هذا الفعل المعمودية ، وطهارتهم إنما هي غسل الوجه واليدين فقط ، ولا يختتن منهم إلّا اليعقوبية ، ولهم سبع صلوات يستقبلون فيها المشرق ، ويحجون إلى بيت المقدس ، وزكاتهم العشر من أموالهم ، وصيامهم خمسون يوما ، فالثاني والأربعون منه عيد الشعانين ، وهو اليوم الذي نزل فيه المسيح من الجبل ودخل بيت المقدس ، وبعده بأربعة أيام عيد الفصح ، وهو اليوم الذي خرج فيه موسى وقومه من مصر ، وبعده بثلاثة أيام عيد القيامة ، وهو اليوم الذي خرج فيه المسيح من القبر بزعمهم ، وبعده بثمانية أيام عيد الجديد ، وهو اليوم الذي ظهر فيه المسيح لتلامذته بعد خروجه من القبر ، وبعده بثمانية وثلاثين يوما عيد السلاق ، وهو اليوم الذي صعد فيه المسيح إلى السماء. ولهم عيد الصليب ، وهو اليوم الذي وجدوا فيه خشية الصليب ، وزعموا أنها وضعت على ميت فعاش ، ولهم أيضا عيد الميلاد وعيد الذبح ، ولهم قرابين وكهنة ، فالشماس فوقه القس ، وفوق القس الأسقف ، وفوق الأسقف المطران ، وفوق المطران البطريق ، والسكر عندهم حرام ، ولا يحلّ لهم أكل اللحم ولا الجماع في الصوم ، وكل ما يباع في السوق ولم تعفه أنفسهم يباح أكله ، ولا يصحّ النكاح إلّا بحضور شماس وقس وعدول ومهر ، ويحرّمون من النساء ما يحرّمه المسلمون ، ولا يحلّ الجمع بين امرأتين ، ولا التسرّي بالإماء إلّا أن يعتقن ويتزوّج بهنّ ، وإذا خدم العبد سبع سنين عتق ، ولا يحل طلاق المرأة إلّا أن تأتي بفاحشة مبينة فتطلق ، ولا تحل للزوج أبدا ، وحدّ المحصن إذا زنى الرجم ، فإن زنى غير محصن وحملت منه المرأة تزوّج بها ، ومن قتل عمدا قتل ، ومن قتل خطأ يهرّب ولا يحل طلبه ،