وغوغاء العامّة ومن يريد النهب جماعة ، فحلّ بمن كان في الجامع أنواع البلاء ، ووقع فيهم النهب ، فأخذت فرشهم وعمائمهم ، وفتشت أوساطهم وسلبوا ما كان مربوطا عليها من ذهب وفضة ، وعمل ثوبا أسود للمنبر وعلمين مزوّقين ، بلغت النفقة على ذلك خمسة عشر ألف درهم ، على ما بلغني ، فعاجل الله الأمير سودوب وقبض عليه السلطان في شهر رمضان وسجنه بدمشق.
جامع الحاكم
هذا الجامع بني خارج باب الفتوح ، أحد أبواب القاهرة ، وأوّل من أسسه أمير المؤمنين العزيز بالله نزار بن المعز لدين الله معدّ ، وخطب فيه وصلّي بالناس الجمعة ، ثم أكمله ابنه الحاكم بأمر الله. فما وسّع أمير الجيوش بدر الجماليّ القاهرة وجعل أبوابها حيث هي اليوم ، صار جامع الحاكم داخل القاهرة ، وكان يعرف أوّلا بجامع الخطبة ، ويعرف اليوم بجامع الحاكم ، ويقال له الجامع الأنور.
قال الأمير مختار عز الملك محمد بن عبيد الله بن أحمد المسبحيّ في تاريخ مصر : وفيه يعني شهر رمضان ، سنة ثمانين وثلاثمائة خط أساس الجامع الجديد بالقاهرة مما يلي باب الفتوح من خارجه ، وبديء بالبناء فيه ، وتحلق فيه الفقهاء الذين يتحلقون في جامع القاهرة ، يعني الجامع الأزهر ، وخطب فيه العزيز بالله. وقال في حوادث سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة لأربع خلون من شهر رمضان ، صلّى العزيز بالله في جامعه صلاة الجمعة ، وخطب ، وكان في مسيره بين يديه أكثر من ثلاثة آلاف ، وعليه طيلسان وبيده القضيب ، وفي رجله الحذاء. وركب لصلاة الجمعة في رمضان سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة إلى جامعه ومعه ابنه منصور ، فجعلت المظلة على منصور وسار العزيز بغير مظلة.
وقال في حوادث سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة : وأمر الحاكم بأمر الله أن يتم بناء الجامع الذي كان الوزير يعقوب بن كلس بدأ في بنيانه عند باب الفتوح ، فقدّر للنفقة عليه أربعون ألف دينار ، فابتدىء في العمل فيه. وفي صفر سنة إحدى وأربعمائة زيد في منارة جامع باب الفتوح ، وعمل لها أركان طول كلّ ركن مائة ذراع ، وفي سنة ثلاث وأربعمائة أمر الحاكم بأمر الله بعمل تقدير ما يحتاج إليه جامع باب الفتوح من الحصر والقناديل والسلاسل ، فكان تكسير ما ذرع للحصر ستة وثلاثين ألف ذراع ، فبلغت النفقة على ذلك خمسة آلاف دينار.
قال : وتمّ بناء الجامع الجديد بباب الفتوح ، وعلّق على سائر أبوابه ستور ديبقية عملت له ، وعلّق فيه تنانير فضة عدّتها أربع ، وكثير من قناديل فضة ، وفرش جميعه بالحصر التي عملت له ، ونصب فيه المنبر وتكامل فرشه وتعليقه ، وأذن في ليلة الجمعة سادس شهر رمضان سنة ثلاث وأربعمائة لمن بات في الجامع الأزهر أن يمضوا إليه ، فمضوا. وصار