والقاهرة إذ ذاك من يشكو زمانه البتة إلى أن نكّد بالراهب على الناس ، فقبحت سيرته وكثر ظلمه واغتصابه للأموال.
وفي أيامه ملك الفرنج كثيرا من المعاقل والحصون بسواحل الشام ، فملكت عكافي شعبان سنة سبع وتسعين ، وغزة في رجب سنة اثنتين وخمسمائة ، وطرابلس في ذي الحجة منها ، وبانياس وجبيل وقلعة تبنين فيها أيضا ، وملكوا صور في سنة ثمان عشرة وخمسمائة ، وكثرت المرافعات في أيامه ، وأحدثت رسوم لم تكن ، وعمر الهودج بالروضة ، ودكة ببركة الحبش ، وعمر تنيس ودمياط ، وجدّد قصر القرافة ، وكانت نفسه تحدّثه بالسفر والغارة إلى بغداد ، ومن شعره في ذلك :
دع اللوم عني لست مني بموثق |
|
فلا بدّلي من صدمة المتحقق |
وأسقي جيادي من فرات ودجلة |
|
وأجمع شمل الدين بعد التفرّق |
وقال :
أما والذي حجت إلى ركن بيته |
|
جراثيم ركبان مقلدة شهبا |
لاقتحمنّ الحرب حتى يقال لي |
|
ملكت زمام الحرب فاعتزل الحربا |
وينزل روح الله عيسى ابن مريم |
|
فيرضى بنا صحبا ونرضى به صحبا |
وكان أسمر شديد السمرة ، يحفظ القرآن ويكتب خطا ضعيفا ، وهو الذي جدّد رسوم الدولة وأعاد إليها بهجتها بعد ما كان الأفضل أبطل ذلك ، ونقل الدواوين والأسمطة من القصر بالقاهرة إلى دار الملك بمصر ، كما ذكر هناك. وقضاته ابن ذكا النابلسيّ ، ثم نعمة الله بن بشير ، ثم الرشيد محمد بن قاسم الصقليّ ، ثم الجليس بن نعمة الله بن بشير النابلسيّ ، ثم صرفه ثانيا بمسلم بن الرسغيّ ، وعزله بأبي الحجاج يوسف بن أيوب المغربيّ ، ثم مات فولى محمد بن هبة الله بن ميسر ، وكتاب إنشائه سنا الملك أبو محمد الزبيديّ الحسنيّ ، والشيخ أبو الحسن بن أبي أسامة ، وتاج الرياسة أبو القاسم بن الصيرفيّ ، وابن أبي الدم اليهوديّ. وكان نقش خاتمه : الإمام الآمر بأحكام الله أمير المؤمنين. ووقع في آخر أيامه غلاء قلق الناس منه ، وكان جريئا على سفك الدماء وارتكاب المحظورات واستحسان القبائح ، وقتل وعمره أربع وثلاثون سنة وتسعة أشهر وعشرون يوما ، منها مدّة خلافته تسع وعشرون سنة وثمانية أشهر ونصف ، وما زال محجورا عليه حتى قتل الأفضل ، وكان يركب للنزهة دائما عند ما استبدّ ، في يومي السبت والثلاثاء ، ويتحوّل في أيام النيل بحرمه إلى اللؤلؤة على الخليج ، واختص بغلاميه برغش وهزار الملوك.
يلبغا السالميّ : أبو المعالي عبد الله الأمير سيف الدين الحنفيّ الصوفي الظاهريّ ، كان اسمه في بلاده يوسف ، وهو حرّ الأصل ، وآباؤه مسلمون. فلما جلب من بلاد المشرق سمي