في شهر رجب سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة ، ووسعه بدور كانت إلى جانبه ، وشرع في عمارته فمات قبل الفراغ منه.
جامع غين بالروضة
قال ابن المتوّج : المسجد الجامع بروضة مصر يعرف بجامع غين ، وهو القديم ، ولم تزل الخطبة قائمة فيه إلى أن عمر جامع المقياس فبطلت الخطبة منه ، ولم تزل الخطبة بطالة منه إلى الدولة الظاهرية ، فكثرت عمائر الناس حوله في الروضة وقلّ الناس في القلعة ، وصاروا يجدون مشقة في مشيهم من أوائل الروضة ، وعمر الصاحب محيي الدين أحمد ولد الصاحب بهاء الدين عليّ بن حنا داره على خوخة الفقيه نصر قبالة هذا الجامع ، فحسن له إقامة الجمعة في هذا الجامع لقربه منه ومن الناس ، فتحدّث مع والده فشاور السلطان الملك الظاهر بيبرس ، فوقع منه بموقع لكثرة ركوبه بحر النيل واعتنائه بعمارة الشواني ولعبها في البحر ، ونظره إلى كثرة الخلائق بالروضة ، ورسم بإقامة الخطبة فيه مع بقاء الخطبة بجامع القلعة لقوّة نيته في عمارتها على ما كانت عليه ، فأقيمت الخطبة به في سنة ستين وستمائة ، وولي خطابته أقضى القضاة جمال الدين بن الغفاريّ ، وكان ينوب بالجيزة في الحكم ، ثم ناب في الحكم بمصر عن قاضي القضاة وجيه الدين البهنسيّ ، وكان إمامه في حال عطلته من الخطبة ، فلما أقيمت فيه الخطبة أضيفت إليه الخطابة فيه مع الإمامة.
غين أحد خدّام الخليفة الحاكم بأمر الله ، خلع عليه في تاسع ربيع الآخر سنة اثنتين وأربعمائة ، وقلده سيفا وأعطاه سجلا قرىء فإذا فيه أنه لقب بقائد القوّاد ، وأمر أن يكتب بذلك ويكاتب به ، وركب وبين يديه عشرة أفراس بسروجها ولجمها ، وفي ذي القعدة من السنة المذكورة أنفذ إليه الحاكم خمسة آلف دينار ، وخمسة وعشرين فرسا بسروجها ولجمها ، وقلده الشرطتين والحسبة بالقاهرة ومصر والجيزة ، والنظر في أمور الجميع وأموالهم وأحوالهم كلها ، وكتب له سجلا بذلك قرىء بالجامع العتيق ، فنزل إلى الجامع ومعه سائر العسكر والخلع عليه ، وحمل على فرسين ، وكان في سجله مراعاة أمر النبيذ وغيره من المسكرات ، وتتبع ذلك والتشديد فيه ، وفي المنع من عمل الفقاع وبيعه ، ومن أكل الملوخيا والسمك الذي لا قشر له ، والمنع من الملاهي كلها ، والتقدّم بمنع النساء من حضور الجنائز ، والمنع من بيع العسل ، وأن لا يتجاوز في بيعه أكثر من ثلاثة أرطال لمن لا يسبق إليه ظنه أن يتخذ منه مسكرا ، فاستمرّ ذلك إلى غرّة صفر سنة أربع وأربعمائة ، فصرف عن الشرطتين والحسبة بمظفر الصقليّ. فلما كان يوم الاثنين ثامن عشر ربيع الآخر منها ، أمر بقطع يدي كاتبه أبي القاسم عليّ بن أحمد الجرجانيّ فقطعتا جميعا ، وذلك أنه كان يكتب عند السيدة الشريفة أخت الحاكم ، فانتقل من خدمتها إلى خدمة غين خوفا على نفسه