من خدمتها ، فسخطت لذلك ، فبعث إليها يستعطفها ويذكر في رقعته شيئا وقفت عليه ، فارتابت منه فظنت أن ذلك حيلة عليها ، وأنفذت الرقعة في طيّ رقعتها إلى الحاكم ، فلما وقف عليها اشتدّ غضبه وأمر بقطع يديه جميعا فقطعتا ، وقيل بل كان غين هو الذي يوصل رقاع عقيل صاحب الخبر إلى الحاكم في كلّ يوم ، فيأخذها من عقيل وهي مختومة بخاتمه ويدفعها لكاتبه أبي القاسم الجرجانيّ ، حتى يخلو له وجه الحاكم فيأخذها حينئذ من كاتبه ويوقفه عليها ، وكان الجرجانيّ يفك الختم ويقرأ الرقاع ، فلما كان في يوم من الأيام فك رقعة فوجد فيها طعنا على غين أستاذه ، وقد ذكر فيها بسوء ، فقطع ذلك الموضع وأصلحه وأعاد ختم الرقعة ، فبلغ ذلك عقيلا صاحب الخبر فبعث إلى الحاكم يستأذنه في الاجتماع به خلوة في أمر مهم ، فأذن له ، وحدّثه بالخبر ، فأمر حينئذ بقطع يدي الجرجانيّ فقطعتا ، ثم بعد قطع يديه بخمسة عشر يوما في ثالث جمادى الأولى ، قطعت يد غين الأخرى ، وكان قد أمر بقطع يده قبل ذلك بثلاث سنين وشهر ، فصار مقطوع اليدين معا ، ولما قطعت يده حملت في طبق إلى الحاكم ، فبعث إليه بالأطباء ووصله بألوف من الذهب وعدّة من أسفاط ثياب ، وعاده جميع أهل الدولة ، فلما كان ثالث عشره أمر بقطع لسانه فقطع وحمل إلى الحاكم ، فسيّر إليه الأطباء ومات بعد ذلك.
جامع الأفرم
قال ابن المتوّج : هذا الجامع بسفح الرصد ، عمره الأمير عز الدين أيبك بن عبد الله المعروف بالأفرم أمير جاندار الملكيّ الصالحيّ النجميّ ، في شهور سنة ثلاث وستين وستمائة ، لما عمر المنظرة هناك ، وعمر بجوارها رباطا للفقراء ، وقرّرهم عدّة تنعقد بهم الجمعة ، وقرّر إقامتهم فيه ليلا ونهارا ، وقرّر كفايتهم وإعانتهم على الإقامة ، وعمر لهم هذا الجامع يستغنون به عن السعي إلى غيره ، وذكر أن الأفرم أيضا عمر مسجدا بجسر الشعيبية في شعبان سنة ثلاث وتسعين وستمائة ، جامعا هدم فيه عدّة مساجد.
الجامع بمنشأة المهرانيّ
قال ابن المتوّج : والسبب في عمارة هذا الجامع ، أن القاضي الفاضل كان له بستان عظيم فيما بين ميدان اللوق وبستان الخشاب ، الذي أكله البحر ، وكان يمير مصر والقاهرة من ثماره وأعنابه ، ولم تزل الباعة ينادون على العنب رحم الله الفاضل يا عنب إلى مدّة سنين عديدة بعد أن أكله البحر ، وكان قد عمر إلى جانبه جامعا وبنى حوله ، فسميت بمنشأة الفاضل ، وكان خطيبه أخا الفقيه موفق الدين بن المهدويّ الديباجيّ العثمانيّ ، وكان قد عمر بجواره دارا وبستانا وغرس فيه أشجارا حسنة ، ودفع إليه ألف دينار مصرية في أوّل الدولة الظاهرية ، وكان الصرف قد بلغ في ذلك الوقت كل دينار ثمانية وعشرين درهما