ونصف درهم نقرة (١) ، فاستولى البحر على الجامع والدار والمنشأة ، وقطع جميع ذلك حتى لم يبق له أثر ، وكان خطيبه موفق الدين يسكن بجوار الصاحب بهاء الدين عليّ بن محمد بن حنا ، ويتردّد إليه وإلى والده محيي الدين ، فوقف وضرع إليهما وقال : أكون غلام هذا الباب ويخرب جامعي ، فرحمه الصاحب وقال : السمع والطاعة يدبر الله ، ثم فكر في هذه البقعة التي فيها هذا الجامع الآن ، وكانت تعرف بالكوم الأحمر ، مرصدة لعمل أقمنة الطوب الآجرية ، سميت بالكوم الأحمر ، وكان الصاحب فخر الدين محمد بن الصاحب بهاء الدين عليّ بن محمد بن حنا ، قد عمر منظرة قبالة هذا الكوم ، وهي التي صارت دار ابن صاحب الموصل ، وكان فخر الدين كثير الإقامة فيها مدّة الأيام المعزية ، فقلق من دخان الأقمنة التي على الكوم الأحمر ، وشكا ذلك لوالده ولصهره الوزير شرف الدين هبة الله بن صاعد الفائزيّ ، فأمرا بتقويمه ، فقوّم ما بين بستان الحليّ وبحر النيل وابتاعه الصاحب بهاء الدين ، فلما مات ولده فخر الدين وتحدّث مع الملك الظاهر بيبرس في عمارة جامع هناك ، ملّكه هذه القطعة من الأرض ، فعمر السلطان بها هذا الجامع ووقف عليه بقية هذه الأرض المذكورة ، في شهر رمضان سنة إحدى وسبعين وستمائة ، وجعل النظر فيه لأولاده وذريته ، ثم من بعدهم لقاضي القضاة الحنفيّ ، وأوّل من خطب فيه الفقيه موفق الدين محمد بن أبي بكر المهدويّ العثمانيّ الديباجيّ إلى أن توفي يوم الأربعاء ، ثالث عشر شوّال سنة خمس وثمانين وستمائة ، وقد تعطلت إقامة الجمعة من هذا الجامع لخراب ما حوله ، وقلة الساكنين هناك ، بعد أن كانت تلك الخطة في غاية العمارة ، وكان صاحبنا شمس الدين محمد بن الصاحب قد عزم على نقل هذا الجامع من مكانه ، فاخترمته المنية قبل ذلك.
جامع دير الطين
قال ابن المتوّج : هذا الجامع بدير الطين في الجانب الشرقيّ ، عمره الصاحب تاج الدين بن الصاحب فخر الدين ولد الصاحب بهاء الدين ، المشهور بابن حنا ، في المحرّم سنة اثنتين وسبعين وستمائة ، وذلك أنه لما عمر بستان المعشوق ومناظره وكثرت إقامته بها ، وبعد عليه الجامع ، وكان جامع دير الطين ضيقا لا يسع الناس ، فعمر هذا الجامع وعمر فوقه طبقة يصلي فيها ويعتكف إذا شاء ، ويخلو بنفسه فيها. وكان ماء النيل في زمنه يصل إلى جدار هذا الجامع ، وولى خطابته للفقيه جمال الدين محمد ابن الماشطة ، ومنعه من لبس السواد لأداء الخطبة ، فاستمرّ إلى حين وفاته في عاشر رجب سنة تسع وسبعمائة ، وأوّل خطبة أقيمت فيه يوم الجمعة سابع صفر سنة اثنتين وسبعين وستمائة ، وقد ذكرت ترجمة الصاحب تاج الدين عند ذكر رباط الآثار من هذا الكتاب.
__________________
(١) الدرهم النقرة : هي الدراهم التي كانت تغلب فيها نسبة الفضة على النحاس. النجوم ج ٧ ص ١٥٧.