وممن تولى التدريس فيه الفخر البلبيسي الضرير أستاذ القراءات وإمام الأزهر ، وتولى ابن حجر خطابة الأزهر حينا آخر.
على أنه يوجد مع ذلك في أنباء العصر ما يدل على أن الأزهر كان خلال هذه الحقبة يحتفظ بمكانته الخاصة ؛ يعاونه في ذلك اتساع حلقاته وأروقته ، وتنوع دراساته ، وهيبته القديمة ، وما يلاقيه الطلاب فيه من أسباب التيسير في الدراسة وأحيانا في الإقامة. وقد غدا الأزهر منذ أواخر القرن السابع أي مذ عفت معاهد بغداد وقرطبة ، كعبة الأساتذة والطلاب من سائر انحاء العالم الاسلامي ، وغدا أعظم مركز للدراسات الإسلامية العامة. ومنذ القرن الثامن الهجري أخذ يتبوأ الأزهر في مصر وفي العالم الإسلامي نوعا من الزعامة الفكرية والثقافية. وفي أنباء هذا القرن ما يدل على أن الأزهر كان يتمتع في ظل دولة السلاطين برعاية خاصة ، وكان الأكابر من علمائه يتمتعون بالجاه والنفوذ ، ويشغلون وظائف القضاء العليا ، ويستأثرون بمراكز التوجيه والإرشاد. وكان هذا النفوذ يصل أحيانا إلى التأثير في سياسة الدولة العليا ، وأحيانا في مصاير العرش والسلطان.
وربما كانت هذه الفترة في الواقع هي عصر الأزهر الذهبي من حيث الإنتاج العلمي الممتاز ، ومن حيث تبوؤه لمركز الزعامة والنفوذ.
وفي أواخر القرن التاسع أخذت الحركة الأدبية في مصر الإسلامية في الاضمحلال وذلك تبعا لاضمحلال الدولة المصرية والمجتمع المصري. وكانت دولة السلاطين قد شاخت وأخذت تسير نحو الانهيار بخطى سريعة ، وتصدع بناء المجتمع المصري وأخذ في الانحلال والتفكك ؛ واضطربت أحوال المعاهد والمدارس المصرية وتضاءلت مواردها ، وفقدت كثيرا مما كانت تتمتع به من رعاية السلاطين والأمراء ؛ وأصاب الأزهر ما أصاب المعاهد الأخرى من الذبول والركود. ولم يمض قليل على ذلك حتى وقعت المأساة المروعة فانهارت الدولة المصرية ، وفقدت مصر استقلالها التالد وسقطت صريعة الغزو العثماني سنة ٩٢٢ ه (١٥١٧ م).