مباشرة بتجريد مصر الإسلامية من ذخائرها النفيسة في الآثار والكتب ، وحمل كل ذلك الى القسطنطينية ، وقد قبض الغزاة على العلماء الأعلام والزعماء وقادة الفكر وبعثوا بهم جميعا إلى تركيا ، وهكذا انهار صرح الحركة الفكرية الإسلامية ، وتضاءل شأن العلوم والفنون ، وانحط معيار الثقافة ، بعد أن كانت مصر موثل الثقافة ومحط العلماء بعد سقوط بغداد على أيدي المغول ، وانقضاء البقية الباقية من سلطان المسلمين في الأندلس. بعد أن وجد العلماء من المماليك ما أملوا ، ووجد الإسلام فيهم حماة يقفون له كما وقف الأيوبيون من قبل ، وكان ردهم للمغول في موقعة عين جالوت على يد قطز حدثا تاريخيا حفظ الحضارة الإسلامية من معاول التتر ، ورفع شأن مصر ، وجعلها مهبط الثقافة الإسلامية ، والأمينة على تراث الإسلام منذ ذلك التاريخ حتى اليوم.
وقد كان الفضل في ذلك للأزهر. فقد اتسع صدره للواردين من العلماء والطلاب في كافة البلاد ، ومكن لهم من الدراسة الهادئة والبحث المنظم مما أفاد الحضارة الإنسانية بأجزل الفوائد ، بما أخرجوا من فرائد الكتب في الفقه والحديث والتفسير واللغة.
وإذا كان الأزهر قد انطوى على نفسه في العصر التركي وذوت آثاره العلمية ، فقد استطاع بما له من نفوذ في نفوس العامة والخاصة أن يحمل العناصر الاستعمارية على احترام مكانته وعلى اللجوء إليه في الملمات ، وكان يتوسط فيما ينشب بينهم وبين المصريين من خلاف ، واستطاع الأزهر في هذه الحقبة المظلمة من تاريخه أن يحفظ اللغة العربية ، وأن يقاوم لغة الفاتحين ، وأن يبقى بابه مفتوحا لطلاب العلوم الإسلامية واللغة العربية مدى ثلاثة قرون ، حتى انزاح عن صدره الكابوس التركي ، وبدأ النور يبزغ من جديد في أوائل القرن التاسع عشر يحمل في طياته الأمل .. وقد تميز العصر التركي في مصر بفتور الهمم عن التأليف والتدوين ، وانصراف المؤرخين عن تناول الشؤون العامة والأمور النافعة إلى ملق الحكام والأكابر ، وتدوين سيرهم الشخصية. وأما العلماء فقد استكانوا إلى الراحة