الفصل الثالث
الأزهر والحركة الوطنية عام ١٩١٩
فجأة وعلى غير تدبير سابق نهضت مصر نهضتها الكبرى عام ١٩١٩. كما تضيء في الحفلة الرحبة الجوانب مئات الثريات الكهربائية بحركة لينة من أصبعك. ومرد هذه اليقظة الشاملة شعور مصر في كل حين أن حقها سليب وحريتها منتهبة ، واستقلالها مفقود ، وإنما تحتاج النهضات الأخر الى تدبير سابق يسلخ من العمر سنوات في غير النهوض للحرية والاستقلال. أما والمصريون أحياء يحسون ويشعرون ، والإنجليز أمامهم في مظهر السيادة والتملك ، فلم يحتج الأمر إلى تدبير مبيت في الخفاء ، إلا أن يهتف هاتف : أيها المصريون هذا يوم الخلاص ، ليدوى الصوت في أفق مصر ويستجيب له صائد الأسماك في بحيرة رشيد ، كما يستجيب له القابض على يد المحراث في وادي حلفا.
خرجت مصر كلها ... كلها حقا ، تطلب الحرية وتنشد الاستقلال ، وتدفقت قوة الشباب في جسوم الشيوخ ، وجرت البطولة في أبدان الشباب ، وتفتحت البطولة في روح الأطفال والغلمان ، واحتوت الشجاعة والحماسة قلوب السيدات قرويات وحضريات ، وأصبحت مصر أغرودة الجميع وحرية مصر لحنا يردده كل فم ، واستقلال مصر آية مقدسة يرتلها العابدون الخاشعون
ولقد تجلت كبرياء هذا العهد على الأزهر إذ كان مكانا صالحا للنهوض ، وحمل أبناؤه علم الجهاد الشريف الوادع.